فيه، هو مخطئ معذور مأجور مرة، كمن أسلم ولم يبلغه فرض الصلاة، أو كمن أخطأ في القرآن الذي لا إجماع كالاجماع عليه، فأسقط آية أو بدل كلمة أو زادها غير عامد، لكنه مقدر أنه كذلك، فهذا لا إثم عليه ولا حرج. وهكذا في كل شئ ومن عمد فخالف ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، غير مسلم بقلبه أو بلسانه أنه كحكمه عليه السلام فهو كافر، سواء كان فيما أجمع عليه أو فيما اختلف فيه قال تعالى: * (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) * وإن خالف ما صح عنده من ذلك بعلمه، وسلم له بقلبه ولسانه، فهو مؤمن فاسق، كالزاني وشارب الخمر وسائر العصاة، سواء كان مما أجمع عليه أو مما اختلف فيه. فهذه الحقائق التي لا يقدر أحد على معارضتها، لا الأقوال المموهة وبالله تعالى التوفيق.
فصل وأما في من قال بمراعاة انقراض العصر في الاجماع، فمن أحسن قول قيل. لأن عصر الصحابة رضي الله عنهم، اتصل مائة عام وثلاثة أعوام. لأن سمية أم عامر رضي الله عنها ماتت في أول الاسلام، ثم لم يزالوا يموت منهم من بلغ أجله، كأبي أمامة وخديجة وعثمان بن مظعون وقتلى بدر وأحد وأهل البعوث، عاما عاما.
ومن مات في خلال ذلك، إلى أن مات أنس سنة إحدى وتسعين من الهجرة، وكان عصر التابعين مداخلا لعصر الصحابة رضي الله عنهم، لأنه لما أسلم الاثنا عشر رجلا من الأنصار رضي الله عنهم، قبل الهجرة بسنة وثلاثة أشهر كاملة لأنهم أسلموا في ذي الحجة في أيام الحج - وحملوا مع أنفسهم مصعب بن عمير رضي الله عنه معلما لهم القرآن والدين، وبقوا كذلك تمام عام، ثم حج منهم سبعون مسلما وثلاث نسوة مسلمات - كلهم يعرف اسمه وحسبه - وهم أهل بيعة العقبة، وتركوا بالمدينة إسلاما كثيرا فاشيا، يتجاوز المائتين من الرجال والنساء ثم هاجر صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول. فلا شك في أنه قد مات في تلك الخمسة عشر شهرا منهم موتى من نساء ورجال، لأنهم أعداد عظيمة وكلهم من جملة التابعين - وهم الجمهور - إلا من شاهد منهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم الأقل.