ما أوحى إليه من القرآن، فقر المتلو مثبوتا في المصاحف والصلوات، وقرئ سائر الوحي منقولا محفوظا معمولا به، كسائر كلامه الذي هو وحي فقط، ولسنا ننكر رفع آيات في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصدور جملة، لقوله تعالى: * (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها) * ولا نجيز ذلك بعد موته لقوله تعالى: * (نأت بخير منها أو مثلها) * فإنما اشترط الله تعالى لنا رفعها معلقا بأن يأتينا بخير منها أو مثلها، وهذا ما لا سبيل إليه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لان الاتيان بآية بعده لا سبيل إليه، إذ قد انقطع الوحي بموته، ومن أجاز ذلك فقد أجاز كون النبوة بعده، ومن أجاز ذلك فقد كفر وحل دمه وماله، ولا سبيل إلى أن ينسى عليه السلام شئ من القرآن قبل أن يبلغه، فإذا بلغه وحفظه للناس فلسنا ننكر أن ينساه عليه السلام، لأنه بعد محفوظ مثبت، وقد جاء مثل ذلك في خبر صحيح، أنه سمع رجلا يتلو القرآن فدعا له بالرحمة، وأخبر عليه السلام أنه أذكره آية كان نسيها، ولأنه قد بلغه كما أمر. كما حدثنا عبد الله بن يوسف، عن أحمد بن فتح، عن عبد الوهاب بن عيسى، عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن علي، عن مسلم، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو كريب قالا: ثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقرأ من الليل فقال:
رحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت أسقطتها من سورة كذا وكذا ورواه عبدة وأبو معاوية عن هشام: أذكرني آية كنت أنسيتها.
فصل هل يجوز نسخ الناسخ قال أبو محمد: ولا فرق بين أن ينسخ تعالى حكما بغيره، وبين أن ينسخ ذلك الثاني بثالث، وذلك الثالث برابع، وهكذا كل ما زاد كل ذلك ممكن إذا وجد برهان على صحته، وقد جاء في بعض الآثار، أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال، وأحيل الصيام ثلاثة أحوال، فكان عاشوراء فرضا، ثم نسخ فرضه بصيام رمضان، بشرط أن من شاء صام ومن شاء أطعم مسكينا وأفطر هو، ثم نسخ ذلك بإيجاب الصيام على الحاضر المطيق الصحيح البالغ العاقل، وكان من نام لا يحل له الاكل ولا الوطئ، ثم نسخ ذلك بإباحة كل ذلك في الليل والحظر لصيام الليل