والمجاهرة بالباطل أشنع من هذين المذهبين وبالله تعالى نعوذ من الخذلان.
ومن العجائب التي لا يفهم منها إلا الاستخفاف بالدين والخنا، احتجاج ابن خويز منداد المالكي، إيجاب أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضا، بحديث الأنصاري الذي قبل امرأته وهو صائم، فأمرها أن تستفتي في ذلك أم سلمة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فوجد المرأة فسأل عنها، فأخبرته أم سلمة بخبرها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبرتها أني أفعل ذلك؟ فقالت: قد فعلت، فزاده ذلك شرا وقال: يحل الله لرسوله ما شاء، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أما والله إني لأتقاكم لله وأعلمكم بما أتقي.
قال أبو محمد: وإن احتجاج ابن خويز منداد بهذا الحديث، وهو لا يقول به، ولا يستحبه ولا يبيحه، بل يكره القبلة للصائم ويرغب عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ويسخط الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لرغبته عما كان عليه السلام يفعله، لآية من الآيات الشنيعة، وهو لا يرى هذا الفعل واجبا ولا مستحبا ولا مطلقا، ثم يحتج به في إيجاب أفعاله صلى الله عليه وسلم وليس العجب ممن يطلق لسانه بمثل هذا الخنا فإنه قد عدم الرقبة والحياء والخوف، ولا يبالي بالاثم ولا بالعار، وإنما العجب ممن يسمعه ثم يقبله، ويكتبه مصدقا له مستحسنا، وإنا لله وإنا إليه راجعون على دروس العلم وذهابه.
وهذا الحديث الذي ذكر أعظم حجة في أن أفعاله عليه السلام ليست على الوجوب، ولكنها مستحبة مندوب إليها، يأتي متركها راغبا عنها، كما يأثم ابن خويز منداد ونظراؤه في رغبتهم عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم في التقبيل وهو صائم ولا يأثم من تركها مستحبا لها غير راغب عنها ولا يؤجر أيضا، وأما من فعلها مؤتسيا فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم فهو مأجور، والحمد لله رب العالمين.
واحتج من قال: إن أفعاله عليه السلام كأوامره، بأن قال: قد أمرنا باتباعه عليه السلام بقوله تعالى: * (فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون) * قالوا: وهذا إيجاب علينا اتباعه، في فعله وأمره سواء.
قال علي: الاتباع لا يفهم منه محاكاة الفعل في اللغة أصلا، وإنما يقتضي الامتثال لامره عليه السلام، والطاعة لما علم عن ربه عز وجل، وقد بين ذلك عليه