بالاجماع، لا وصية لوارث فنسخ بذلك الوصية للوالدين والأقربين الذين يرثون، وبقي الولدان والأقربون الذين لا يرثون على وجوب فرض الوصية لهم.
قال أبو محمد: وقد بينا في كتابنا هذا في باب الكلام في الاخبار المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم في فصل أفردناه للكلام فيما ادعاه قوم من تعارض الاخبار - كلاما استغنينا عن تكراره ههنا، فيه بيان غلط قوم فيما ظنوه نسخا وليس بنسخ، ولكن اكتفينا بأن نبهنا عليه ههنا لأنه لا غنى بمزيد معرفة فقه النسخ عنه وبالله تعالى التوفيق.
فصل قال أبو محمد: ولا يضر كون الآية المنسوخة - في ترتيب المصحف في الخط والتلاوة - متقدمة في أول السورة أو في سورة متقدمة في الترتيب. وتكون الناسخة لها في السورة أو في سورة متأخرة في الترتيب، لان القرآن لم ترتب آياته وسوره على حسب نزول ذلك، لكن كما شاء ذو الجلال والاكرام منزله.
لا إله إلا الله. ومرتبه الذي لم يكل ترتيبه إلى أحد دونه. فأول ما نزل من القرآن: * (اقرأ باسم ربك الذي خلق، الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم) * ثم * (يا أيها المدثر فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر) * وهما متأخرتان قرب آخر المصحف في الخط والتلاوة، وآخر ما نزل آية الكلالة في سورة النساء، وسورة براءة، وهما في صدر المصحف في الخط والتلاوة، فلا يجوز مراعاة رتبة التأليف في معرفة الناسخ والمنسوخ البتة. وقد نسخ الله قوله تعالى: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج) * بقوله تعالى * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) * بإجماع الأمة كلها، والناسخة في المصحف في الخط والتلاوة والترتيب والتأليف قبل المنسوخة، وفي هذا كفاية، وبالله تعالى التوفيق.