الاحكام - ابن حزم - ج ٤ - الصفحة ٤٣٠
فراغبون عن الائتساء به عليه السلام، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: إني أصوم وأفطر وأنكح النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني وصدق عليه السلام، أن من ترك شيئا من أفعاله راغبا عنها فهو كافر، وأما من تركها غير راغب عنها لكن اقتصارا على الفرض، وتخفيفا من التطوع، عالما بأنه يترك فضلا كثيرا، فقد أفلح كما قال عليه السلام للاعرابي الذي حلف لا يزيد على الأوامر الواجبات شيئا فقال عليه السلام: أفلح والله إن صدق دخل الجنة.
قال أبو محمد: وفي هذا الحديث بيان كاف في أن الأوامر هي الفروض، وأن أفعاله عليه السلام ليست فرضا، لان الأعرابي إنما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أمر به، لا عما يفعل، ثم حلف ألا يفعل غير ذلك، فصوب رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله وحسن فعله، وهذا كاف لمن عقل، إذ لم يلزمه عليه السلام اتباع أفعاله، وهذا ما لا إشكال فيه.
قال أبو محمد: بل أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه رضي الله عنهم التزام المماثلة لأفعاله، كما حدث عبد الله بن ربيع، ثنا محمد بن معاوية القرشي، ثنا أبو خليفة ، نا أبو الوليد الطيالسي - هو هاشم بن عبد الملك - عن حماد بن سلمة، عن أبي نعامة السعدي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما صلى خلع نعليه فوضعهما يساره فخلع القوم نعالهم، فلما قضى صلاته قال: ما لكم خلعتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا، قال: إني لم أضعهما من بأس، ولكن جبريل أخبرني أن فيهما قذرا وأذى، فإذا أتى أحدكم المسجد فلينظر في نعليه، فإن كان فيهما أذى فليمسحه.
قال أبو محمد: فهذا عدل من الصحابة - أبو سعيد الخدري - شهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر عليهم التزام مماثلة أفعاله، فبطل كل تعلل بعد هذا وصح ألا يلزم إلا أمره عليه السلام فقط.
قال أبو محمد: وإنما تعلق بما ذكرنا قوم من أصحاب مالك، على أنهم أترك خلق الله لأفعاله عليه السلام، فقد تركوا فعله عليه السلام في صلاته بالناس وهم وراءه قيام أو جلوس وتركوا فعله عليه السلام في دخوله وإمامته بالناس بعد ابتداء أبي بكر بالتكبير بهم والصلاة، وجوزوه في الاستخلاف حيث لم يأت به
(٤٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 425 426 427 428 429 430 431 432 433 434 435 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الرابع عشر: في أقل الجمع 391
2 فصل: من الخطاب الوارد بلفظ الجمع 396
3 الباب الخامس عشر: في الاستثناء 397
4 فصل واختلفوا في نوع من الاستثناء 402
5 فصل: من الاستثناء 407
6 الباب السادس عشر: في الكناية بالضمير 412
7 الباب السابع عشر: في الإشارة 412
8 الباب الثامن عشر: في المجاز والتشبيه 413
9 فصل في التشبيه 421
10 الباب التاسع عشر: في أفعال رسول الله (ص) وفى الشئ يراه أو يبلغه فيقره صامتا عليه لا يأمر به ولا ينهى عنه 422
11 باب الكلام في النسخ وهو الموفي عشرين 438
12 فصل: الأوامر في نسخها وإثباتها تنقسم أقساما أربعة 440
13 فصل: في رد المؤلف على القائلين - وقد ذكر النسخ وارتفاع اللفظ المنسوخ: وهذا وجه من وجوه الحكمة 442
14 فصل: في قوله تعالى (ما ننسخ من آية أو ننسأها) 443
15 فصل اختلف الناس في النسخ على ما يقع أعلى الأمر أم على المأمور به؟ 443
16 فصل وقد تشكك قوم في معاني النسخ والتخصيص والاستثناء 444
17 فصل في إمكان النسخ ثم إيجابه ثم امتناعه 445
18 فصل فيما يجوز فيه النسخ وفيما لا يجوز فيه النسخ 448
19 فصل هل يجوز نسخ الناسخ 455
20 فصل في مناقل النسخ 456
21 فصل في آية ينسخ بعضها ما حكم سائرها؟ 457
22 فصل في كيف يعلم المنسوخ والناسخ مما ليس منسوخا 458
23 فصل ولا يضر كون الآية المنسوخة متقدمة في الترتيب والناسخة متأخرة فيه 465
24 فصل في نسخ الأخف بالأثقل والأثقل بالأخف 466
25 فصل في نسخ الشئ قبل أن يعمل به 472
26 فصل في نسخ القرآن بالسنة والسنة بالقرآن 477
27 فصل في نسخ الفعل بالأمر والأمر بالفعل 483
28 فصل في متى يقع النسخ عمن بعد عن موضع نزول الوحي 485
29 فصل في النسخ بالإجماع 488
30 فصل في رد المؤلف على من أجاز نسخ القرآن والسنة بالقياس 488
31 الباب الحادي والعشرون: في المتشابه من القرآن والفرق بينه وبين المتشابه وبين المتشابه في الأحكام 489
32 الباب الثاني والعشرون: في الاجماع وعن أي شئ يكون الاجماع وكيف ينقل الاجماع 494
33 فصل ثم اختلف الناس في وجوه من الاجماع 506
34 ذكر الكلام في الاجماع إجماع من هو؟ إجماع الصحابة أم الاعصار بعدهم وأي شئ هو الاجماع وبأي شئ يعرف أنه إجماع 509
35 فصل فيمن قال إن الاجماع لا يجوز لأحد خلافه 512
36 فصل وأما من قال بمراعاة انقراض العصر في الاجماع 513
37 فصل وأما من قال إذا اختلف أهل عصر ما في مسألة ما 515
38 فصل وأما من قال إذا اختلف أهل عصر ما ثم أجمع أهل عصر ثان على أحد الأقوال التي اختلفت عليها أهل العصر الماضي 515
39 فصل وأما قول من قال إن افترق أهل العصر على أقوال كثيرة 516
40 فصل فيمن قال مالا يعرف فيه خلاف فهو إجماع وبسط الكلام فيما هو اجماع وفيما ليس إجماع 529
41 فصل فيمن قال بأن خلاف الواحد من الصحابة أو ممن يعدم لا يعد خلافا وأن قول من سواه فيما خالفهم فيه إجماع 544
42 فصل في قول من قال قول الأكثر هو الاجماع ولا يعتد بقول الأقل 552
43 فصل: في إبطال قول من قال الاجماع هو إجماع أهل المدينة 552
44 فصل: فيمن قال ان الاجماع هو إجماع أهل الكوفة 566
45 فصل: في إبطال قول من قال أن قول الواحد من الصحابة إذا لم يعرف له مخالف فهو إجماع وإن ظهر خلافه في العصر الثاني 566
46 فصل: وأما من قال ليس لأحد أن يختار بعد أبى حنيفة الخ 572
47 فصل: وتكلموا أيضا في معنى نسبوه إلى الاجماع 579
48 فصل: واختلفوا هل يدخل أهل الأهواء في الاجماع أم لا؟ 580