فراغبون عن الائتساء به عليه السلام، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: إني أصوم وأفطر وأنكح النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني وصدق عليه السلام، أن من ترك شيئا من أفعاله راغبا عنها فهو كافر، وأما من تركها غير راغب عنها لكن اقتصارا على الفرض، وتخفيفا من التطوع، عالما بأنه يترك فضلا كثيرا، فقد أفلح كما قال عليه السلام للاعرابي الذي حلف لا يزيد على الأوامر الواجبات شيئا فقال عليه السلام: أفلح والله إن صدق دخل الجنة.
قال أبو محمد: وفي هذا الحديث بيان كاف في أن الأوامر هي الفروض، وأن أفعاله عليه السلام ليست فرضا، لان الأعرابي إنما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أمر به، لا عما يفعل، ثم حلف ألا يفعل غير ذلك، فصوب رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله وحسن فعله، وهذا كاف لمن عقل، إذ لم يلزمه عليه السلام اتباع أفعاله، وهذا ما لا إشكال فيه.
قال أبو محمد: بل أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه رضي الله عنهم التزام المماثلة لأفعاله، كما حدث عبد الله بن ربيع، ثنا محمد بن معاوية القرشي، ثنا أبو خليفة ، نا أبو الوليد الطيالسي - هو هاشم بن عبد الملك - عن حماد بن سلمة، عن أبي نعامة السعدي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما صلى خلع نعليه فوضعهما يساره فخلع القوم نعالهم، فلما قضى صلاته قال: ما لكم خلعتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا، قال: إني لم أضعهما من بأس، ولكن جبريل أخبرني أن فيهما قذرا وأذى، فإذا أتى أحدكم المسجد فلينظر في نعليه، فإن كان فيهما أذى فليمسحه.
قال أبو محمد: فهذا عدل من الصحابة - أبو سعيد الخدري - شهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر عليهم التزام مماثلة أفعاله، فبطل كل تعلل بعد هذا وصح ألا يلزم إلا أمره عليه السلام فقط.
قال أبو محمد: وإنما تعلق بما ذكرنا قوم من أصحاب مالك، على أنهم أترك خلق الله لأفعاله عليه السلام، فقد تركوا فعله عليه السلام في صلاته بالناس وهم وراءه قيام أو جلوس وتركوا فعله عليه السلام في دخوله وإمامته بالناس بعد ابتداء أبي بكر بالتكبير بهم والصلاة، وجوزوه في الاستخلاف حيث لم يأت به