السلام في قوله: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد وبقوله صلى الله عليه وسلم:
كل أحد يدخل الجنة إلا من أبى، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال:
من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى.
قال علي: والمعصية إنما هي مخالفة الامر، لا ترك محاكاة الفعل، وما فهم قط من اللغة أن يسمى تارك محاكاة الفعل عاصيا إلا بعد أن يؤمر بمحاكاته، فإنما استثنى عليه السلام من دخول الجنة من خالف الامر فقط، وبقي من لا يحاكي الفعل غير راغب عنه على دخول الجنة، فقد صح أنه ليس عاصيا، وإذا لم يكن عاصيا فلم يجتنب فرضا فقد صح أن محاكاة الفعل ليست فرضا، وأيضا فما فهم عربي قط من خليفة يقول: اتبعوا أمري هذا، أنه أراد افعلوا ما يفعل، وإنما يفهم من هذا امتثال أمره فقط، وأيضا فإن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم لا يختلف أحد في أنها غير فرض عليه بمجردها، ومن المحال أن يكون كذلك ويكون فرضا علينا، وهذا هو خلاف الاتباع حقا، وقد هذر قوم بأن قالوا: من الحجة في ذلك قول الله عز وجل: * (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) *.
قال علي: وهذا تخليط، لان الايتاء في اللغة إنما هو الاعطاء، والفعل لا يعطى، وإنما يعطينا أوامره فقط، ولا سيما وقد اتبع ذلك النهي، وإنما توعد الله على مخالفة الامر بقوله تعالى: * (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) * وقال بعضهم: الضمير في أمره راجع إلى الله عز وجل.
قال علي: فيقال لهم لا عليكم، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أمر من الله عز وجل نفسه، بقوله تعالى: * (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) * فنطقه كله أمر الله عز وجل.
قال علي: الآية كافية في أن اللازم إنما هو الامر فقط لا الفعل، لان الله عز وجل إنما أخبر أن الوحي من قبله تعالى هو النطق، والنطق إنما هو الامر، وأما الفعل فلا يسمى نطقا البتة، فصح أن فعله عليه السلام كله إباحة وندب لا إيجاب، إلا ما كان منه بيانا لأمر.
قال علي: وقال بعضهم: معنى أمره ههنا حاله، كما تقول أمر فلان اليوم على إقامة، أو أمره على عوج، يعني حاله.