الصوم إلا الإباحة بالندب، ونسخ المنع من القتال بإيجابه ونسخ فرض استقبال بيت المقدس بالتحريم، وقد نسخ فرض بفرض آخر، كنسخ حبس الزواني إلى الجلد والرجم، أو الجلد والتغريب.
فصل في آية ينسخ بعضها، ما حكم سائرها؟
قال أبو محمد: إذا جمعت الآية أو الحديث حكمين فصاعدا، فجاء نص أو إجماع بنسخ أحد الحكمين، أو تخصيصه أو إخراجه إلى الندب، وقف عنده، ولم يحل لمسلم أن يقول: إن الحكم الآخر منسوخ من أجل هذا الحكم المذكور معه في الآية أو الحديث، ولا أنه مخصوص، ولا أنه ندب، بل يبقى على حكمه كما كان، وعلى ما يوجبه ظاهره لقول الله عز وجل: * (ولا تقف ما ليس لك به علم) *.
ومن ادعى أن هذا الحكم مرتبط بيانه أو نسخه بحكم آخر فقد افترى على الله عز وجل، وادعى ما لا دليل عليه، ولزمه أن متى وجد في سورة واحدة آية منسوخة، أن يقول: إن تلك السورة منسوخة كلها من أجل الآية المنسوخة منها، ولزمه ما هو أفحش من هذا، وهو أن يقول: إن القرآن كله منسوخ من أجل وجوده فيه أحكاما كثيرة منسوخة. ولا فرق بين عطف حكم على حكم وبين عطف آية على آية، ولا فرق بين ذكر حكمين في آية، وبين ذكرهما في سورة، فإذا وجب أن يكون أحد الحكمين المذكورين في الآية منسوخا لزم مثل ذلك في أحكام السورة كلها، لان الحكم المذكور معها منسوخ أيضا ولا فرق، وهذا إبطال للشريعة جملة وخروج عن الاسلام ومن الله تعالى العافية علينا من ذلك، وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد: مثال ذلك قوله تعالى: * (واللائي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا) * ثم نسخ تعالى الامساك في البيوت وأثبت استشهاد الأربعة. وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مهر البغي وحلوان الكاهن وكسب الحجام وثمن الكلب، فخرج كسب الحجام عن التحريم بحديثه عليه السلام أطعمه رقيقك وناضحك، فيلزم من خالفنا أن يبيح من أجل ذلك مهر البغي