الغصب وقد أوجدهما المكلف بسوء اختياره في شخص واحد. فإن ذلك قاض بتسليمه اتحاد الطبيعتين في الوجود والمصداق غير أنه يدعي أن ذلك لا يخرجهما عن كونهما حقيقتين. وقد نص الفاضل المذكور بعد ذلك بأنه لا ريب في تعدد الطبيعتين مع اتحاد الفرد وأنه لا ينتفي إحدى الحقيقتين في الخارج بحسب اتحاد الفرد ولم يصيرا شيئا ثالثا أيضا، بل هما متغايرتان في الحقيقة متحدتان في نظر الحس في الخارج.
وأنت خبير: بأن اتحاد الطبيعتين في الوجود لا يخرجهما عن كونهما حقيقتين لكن يخرجهما عن كونهما شيئين في الخارج، فإذا كان الاتصاف خارجيا لم يفد بيان كونهما حينئذ حقيقتين أيضا في إثبات المقصود. فالاستناد إلى ذلك في دفع الإشكال موهون جدا، وكذا ما قد يتخيل من عدم اتحاد الطبيعتين في المصداق وتعددهما بحسب الوجود بناءا على ما هو التحقيق عندهم من عدم إمكان اتحاد الماهيتين اللتين بينهما عموم من وجه بحسب الموجود - حسب ما مرت الإشارة إليه - فإن ذلك إنما يتم إذا لم يكن بينهما اتحاد في الخارج أيضا، وليس في الوجه المذكور ما يفيد خلاف ذلك، فإن أقصى ما يستفاد منه عدم اتحاد الماهيتين بحسب الذات، وأما مع اتحادهما في بعض مراتب الواقع فلا مانع منه، كيف!
والاتحاد بين الشيئين قد يكون بالذات وقد يكون بالعرض وهو حاصل هنا قطعا، إذ هو المأخوذ في محل النزاع. فإن حيثية تعلق الأمر والنهي بالطبيعتين هنا إنما هي بملاحظتهما على وجه يتحدان في الخارج. ولذا كانت النسبة بينهما عموما من وجه - حسبما قرر في بيان محل النزاع - ومع الغض عن جميع ذلك فنقول: إن ما ذكر إنما يتم لو قلنا بكون الحسن والقبح الحاصلين للأفعال مقصورا على الذاتي المستند إلى ذواتها، وأما لو قلنا باستنادهما إلى الوجوه والاعتبارات أيضا - كما هو الحق - فكون جهة الحسن أو القبح عارضيا غير متحد مع الذات اتحادا ذاتيا لا يقضي بعدم عروض الحس أو القبح للذات من جهتها، بل قضية ذلك اتصاف الذات بالحسن والقبح مع كون الجهة عارضية مغايرة للذات كما هو الحال في