فرعون وملائه) * (1) وبعد ما جاء بهما لم يناقش معه فرعون في إفادة تصديقه إلا بدعوى كونه سحرا.
والحاصل: أن إبداء المعجزة بعد دعوى الرسالة يفيد علما ضروريا بصدق المدعي بحيث لا مجال للفطرة السليمة إنكاره، وبه يثبت وجود الصانع وسائر صفاته الكمالية، فلا توقف لإثبات صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على قبح إجراء المعجزة على يد الكاذب حسب ما ذكر في الاستدلال فلا يتم الاحتجاج المذكور.
نعم قد يقال بأنه لا بد من ارتباط بين إبداء المعجزة وبين صدق صاحبها ليصح من جهته الانتقال منها إليه، والظاهر أن ذلك من جهة دلالتها علو مرتبة الآتي بها، وبلوغه إلى أقصى درج الكمال، فلا يقع منه الكذب لعلو منصبه عن ذلك. وحينئذ يكون ذلك أيضا مبنيا على قاعدة التحسين والتقبيح، إذ لو كان الصدق والكذب متساويين في ذلك لجاز منه وقوع الأمرين فلا يتم الجواب أيضا من دون البناء على القاعدة المذكورة، فتأمل.
الثالث: أنه لو لم يثبت حكم العقل بالتحسين والتقبيح لزم إفحام الأنبياء وانقطاعهم في ما يظهرونه من الدعوى، والتالي واضح الفساد. بيان الملازمة أنه لا حسن ولا قبح إذن مع قطع النظر عن حكم الشرع، فإذا جاءهم النبي وادعى وجوب إطاعته على الأمة فمن البين أنه لا يجب عليهم اتباعه في أوامره ونواهيه، وما يخبرهم به من أحكامه تعالى إلا بعد ثبوت نبوته.
كيف؟ ولو وجب عليهم ذلك بمحض الادعاء لوجب طاعة سائر المدعين للنبوة، وهو مخالف للضرورة.
فنقول: إنه إذا ادعى النبوة وأراد إقامة الحجة بإبداء المعجزة ليجب عليهم اتباعه، صح للأمة أن يقولوا: لا يجب علينا النظر في معجزتك ليتبين لنا صحة نبوتك، إذ وجوب النظر إليها مما لا يثبت إلا بقولك، وكل ما لا يثبت إلا بقولك لا يقوم حجة علينا إلا بعد ثبوت نبوتك، وإذا لم يقم حجة علينا قبل ثبوت نبوتك