الثاني: أنه لو لم يثبت التحسين والتقبيح العقليان لم يقبح من الله شئ من الأفعال، والتالي باطل، فالمقدم مثله، والملازمة ظاهرة.
وأما بطلان التالي فلأنه لولاه لزم جواز إظهار المعجزة على يد الكاذب، فينسد باب إثبات النبوات، ولا يتم معه الحجة على أحد من البريات، وجاز الكذب في جميع أخباره وأخبار رسوله وخلفائه، فيحتمل أن يكون جميع الواجبات محرمة وبالعكس، والمستحبات مكروهة وبالعكس، إلى غير ذلك، فينسد الطريق إلى معرفة الأحكام وتميز الحلال من الحرام، فيتعطل الشرائع المنزلة، وينتفي الفائدة في إنزال الكتب وبعثة الرسل بالمرة، ولزم أيضا جواز الخلف في وعده ووعيده وثوابه وعقابه وإن وقع الحكم بها على سبيل البت والتحتيم، فينتفي الوثوق بوعده ووعيده، وجاز أن يعامل مع المحسن معاملة المسئ ومع المسئ بالعكس، فيعاقب أطوع عباده بأشد العقاب ويثيب أعصى العصاة فوق ما وعده المطيعين من الثواب، وينتفي حينئذ فائدة الوعد والوعيد والترغيب والترهيب.
وقد أجيب عنه بوجهين: ينحل كل منهما إلى وجهين:
أحدهما: القول بثبوت الحسن والقبح في أفعاله تعالى بغير المعنى المذكور، فتارة يؤخذ فيها الحسن بمعنى موافقة المصلحة ومخالفتها فيقال: إن إظهار المعجزة في يد الكذاب مخالف للمصلحة فلا يقع منه تعالى، وكذا الكلام في الكذب ومخالفة الوعد.
وتارة يقال: إن كلا من المذكورات نقص فلا يمكن في حقه سبحانه، وقد نص الأشاعرة في الاحتجاج على استحالة الكذب عليه تعالى بأنه نقص والنقص عليه تعالى محال.
ثانيهما: أنه لا ملازمة بين جواز وقوع تلك الأفعال من الله تعالى ووقوعه منه، بل يصح أن يقال بإمكان وقوعها منه تعالى مع القطع بعدم الوقوع، إذ لا منافاة بين العلم بشئ واحتمال خلافه بمقتضى الإمكان.