وأما الثاني: فلإرجاع صفة الكمال والنقص بالنسبة إلى الأفعال إلى الحسن والقبح بالمعنى المتنازع فيه حسب ما مرت الإشارة إليه.
وأما الثالث: فبأن جريان العادة إنما يعلم بعد تكرار الفعل كثيرا على نحو واحد حتى يستقر الأمر عليه ويعلم من جهتها بالحال، فلا يجري ذلك في أول الأنبياء، بل ولا في أحد منهم، إذ لا يعلم صدقهم إلا بالمعجزة، فمن أين يحصل العلم بالصدق حتى يتحقق عادة في المقام؟ وكذا الكلام في الكذب، إذ العلم بجريان العادة إنما يحصل بعد العلم بعدم كذبه في شئ من إخباراته حتى يتحقق العادة المذكورة، وهو غير معلوم، لاحتمال أن يكون جميع إخباراته الغائبة عن حواسنا أو معظمها كذبا، هذا إن أرادوا بالعلم العادي هو الحاصل من جريان العادة دائما على النحو المخصوص، وإن أريد به حصول العلم العادي الضروري عقيب ذلك يرجع إلى الجواب الرابع، وهو الذي يظهر من كلامهم عند بيان دلالة المعجزة على صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الكتب الكلامية.
وأما الرابع: فبأن حصول العلم الضروري في المقام بمجرد الإتيان بالمعجزة - كما ادعوه - مخالف لما جرت عليه عادة الله سبحانه في إفاضة العلوم الضرورية، إذ هي منحصرة بحسب الاستقراء في ثلاثة: الفطريات والوجدانيات وذوات الأسباب من المحسوسات والحدسيات والتجربيات، ولا يندرج ذلك في شئ منها.
ودعوى حصول العلم الضروري في غير المذكورات مخالفة لما جرت عليه العادة. ودعوى حصول العلم الضروري في ما لم تجر العادة في نظائره بحصول العلم غير مسموعة، كما إذا ادعى أحد حصول علم ضروري له بتركب الجسم من الهيولى والصورة أو بحدوث الأفلاك عقيب موت زيد أو تولد عمرو ونحوهما مما لا ارتباط له بحدوث الأفلاك، فضلا عن دعوى حصوله بعد ذلك بالنسبة إلى سائر الناس، مضافا إلى أنه لو بني الأمر على إيجاد العلم الضروري كيف ما كان لما كان هناك حاجة إلى المعجزة، وجاز إيجاده بمجرد ادعائه النبوة، فيكون اعتبار ذلك