بجواز الاجتناب فهو مخالف لما دل الاجماع عليه، وإن أريد معه الحكم بجواز الاجتناب (1) أيضا فأي دليل قضى ببقائه على نحو ما ذكره في مسألة غسل الجمعة، غاية الأمر دوران الاحتمال هناك بين الحكمين وهناك بين أحكام ثلاثة.
وأما ثالثا فبأن ما ذكره: من أن الحكم بالرجحان القطعي... إلى آخره غير مستقيم، إذ لا وجه لاعتبار الحكم القطعي في مقابلة أصالة البراءة، وليس في كلام المورد ما يوهم ذلك أصلا، وكيف يعقل مقابلة الأصل بما وقع الاجماع على ثبوته والحكم برجحانه عليه ورفعه له؟! وإنما المقصود رفعه المنع من الترك. وإن قام عليه دليل ظني فيكون أصل البراءة في مقابلة ذلك الدليل الظني، كيف؟ وعبارة المورد صريحة في رفع أصالة البراءة للمنع من الترك. والظاهر أن ما ذكره مبني على ما زعمه من كون رفع المنع من الترك بالأصل قاضيا برفع رجحان الفعل فيؤول الأمر إلى مزاحمة أصالة البراءة للرجحان المقطوع به.
وقد عرفت ضعفه، ولو صح ما ذكره لجرى ذلك بعينه في المثال الذي أورده أيضا.
غاية الأمر أن الجنس الحاصل في المقام رجحان الفعل، والحاصل هناك جوازه، فيكون رفع المنع من الترك هناك في معنى رفع الجواز المعلوم الثبوت أيضا، ويكون ما دل على الجواز من الدليل القطعي مقابلا بأصالة البراءة دون الدليل الظني القاضي بوجوب الاجتناب، وهو كلام ساقط جدا، ولو تم لقضى بعدم جريان أصالة البراءة في شئ من المقامات.
ثم إن للفاضل المذكور إيرادات اخر على هذا الإيراد أحببنا إيراد جملة منها في المقام، ونشير إلى ما يرد عليها من الكلام حتى يتضح به حقيقة المرام.
منها: منع جواز الاستناد في رفع التكليف إلى أصل البراءة وقوله: " إن العقل يحكم بأنه لا يثبت تكليف... إلى آخره " إن أراد به الحكم القطعي فهو أول الكلام كما يعرف من ملاحظة أدلة أصالة البراءة، سيما بعد ورود الشريعة والعلم