وإن ادعى كونه نظريا كان الدليل الموصل إليه معارضا للدليل المذكور، وهو خلاف ما يعطيه كلام المورد، إذ ليس بصدد المعارضة ولو أراد ذلك لكان اللازم عليه حينئذ بيان ذلك حتى يتم المعارضة، مع أنه لم يشر إليه في الإيراد.
وثانيا: نختار أن المراد بحكم العقل قطعه بانتفاء التكليف مع انتفاء العلم، لكن لا يريد به خصوص العلم بالواقع، بل ما يعمه والعلم به من الطريق المقرر للوصول إلى الحكم وإن لم يكن مفيدا للعلم بالواقع بل ولا الظن به أيضا. وقطع العقل حينئذ بانتفاء التكليف ظاهر، لوضوح قبح التكليف مع انتفاء طريق موصل إليه مع العلم، وما يقوم مقامه من الطرق المقررة. ومحصل الإيراد حينئذ المنع من قضاء انسداد باب العلم بالرجوع إلى الظن، لاحتمال الحكم بسقوط التكليف نظرا إلى قطع العقل بانتفاء التكليف مع انتفاء السبيل الموصل إليه، فكما أن انسداد سبيل العلم بالواقع الذي هو الطريق المقرر أولا للوصول إليه قد يكون قاضيا بانفتاح سبيل آخر إلى الواقع - كما هو مقصود المستدل، وذلك فيما إذا علم بقاء التكليف بعد حصول الانسداد - كذا قد يكون قاضيا بسقوط التكليف مع عدم العلم ببقائه، نظرا إلى انسداد الطريق إليه وقطع العقل بانتفاء التكليف مع انتفاء طريق إليه.
فظهر بما قررنا أن قطع العقل بانتفاء التكليف مع انتفاء الطريق إليه إنما قد يقتضي (1) قطع العقل في المقام بانتفاء التكليف، إذ كون الظن حينئذ طريقا إلى الواقع هو المبحوث عنه في المقام، فما ذكره من أن حكم العقل ببقاء التكليف حينئذ أول الكلام مشيرا به إلى أن ذلك نفي لعين (2) المدعى كما ترى، والظاهر أن ما ذكر غير قابل للمنع فإنه من الواضحات حسب ما مر الكلام فيه.
كيف؟ ولولا ذلك لم يتم ما ذكره القائل بحجية الظنون من الدليل المذكور وغيره مما احتجوا به على ذلك لمن قال بحجية الظن، فمنع ذلك في المقام ليس في محله. وكذا لا فرق في ذلك مطلقا بعد ورود الشرع وقبله، فإن عدم ثبوت