في حكم الشارع، فلو قام دليل ظني على حجية أمر خاص - كظاهر الكتاب - قام حجة ولو لم يحصل منه الظن بالواقع لمانع منه، وكان الأظهر بناء على القول المذكور هو ذلك، فإنه إذا قام الظن مقام العلم قضى بحجية الظن المتعلق بالطريق أيضا، فإنه أيضا من جملة الأحكام الشرعية.
إلا أن يقال: إن المقصود حجية الظن في مسائل الفروع بعد انسداد سبيل العلم بها دون ما يتعلق بالأصول وبيان الطريق إلى استنباط الأحكام من مسائل الأصول، فلا يندرج تحت الأصل المذكور، وفيه تأمل.
ويحتمل أيضا على القول الثاني أن يقال بحجية الظنون الخاصة ليكون الحجة نفس الظن الحاصل من الأدلة، فيناط حجية الأدلة عنده بالوصف المذكور، إلا أنه لا يوافقه بعض كلماتهم، وأن يقال بحجية طرق خاصة وظنيات مخصوصة أفادت الظن بالواقع أو لم تفده.
وهذا هو التحقيق في المقام، إذ ليست حجية الأدلة الشرعية منوطة بحصول الظن منها بالواقع وإنما هي طرق مقررة لإفادة الواقع على نحو الطرق المقررة للموضوعات في إجراء الأحكام المقررة لها والنسبة بين القولين على الوجهين الأولين عموم مطلق كما هو الحال في الوجه الثاني منهما في وجه. وكذا الحال في الاحتمال الثالث من الأول مع الثاني وكذا من الثاني لو قيل بأحد الأخيرين من الأول والأول من الثاني، وفي عكسه يكون بينهما عموما من وجه.
هذا وقد يستشكل في القول الأول (1) بأنه إذا كانت قضية حكم العقل بعد انسداد سبيل العلم حجية مطلق الظن وقيامه مقام العلم لزم القول به على الإطلاق، فلا وجه لتخصيص بعض الظنون وإخراجه عن العموم المذكور لقيام الدليل عليه لما تقرر من عدم ورود التخصيص على القواعد العقلية وإنما وروده على العمومات اللفظية والقواعد الشرعية ونحوها، فكما أن لا تخصيص في الحكم بحجية العلم فكذا ينبغي أن يكون الحال في الظن القائم مقامه بعد انسداد سبيله.