ينادي بعدم بناء الأمر على تحصيل القطع ملاحظة حال العوام مع المجتهدين، فإن من البين عدم وجوب تحصيل القطع عليهم بفتاوى المجتهد على حسب المكنة، بل يجوز لهم الأخذ عن الواسطة العادلة مع التمكن من العلم بلا ريبة. وعليه جرت طريقة الشيعة في سائر الأزمنة، بل الظاهر أنه مما أطبقت عليه سائر الفرق أيضا وهل كان الحال في الرجوع إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) في ذلك العصر إلا كحال العوام في هذه الأعصار في الرجوع إلى المجتهدين.
فبملاحظة جميع ما ذكرناه يحصل القطع بتجويز الشارع العمل بغير العلم في الجملة مع انفتاح طريق العلم، سيما مع ملاحظة ما في التكليف بالعلم في خصوصيات الأحكام من الحرج التام بالنسبة إلى الخواص والعوام، وهو مما لا يناسب هذه الشريعة السمحة السهلة التي رفع عنها الحرج والمشقة، ووضعت على كمال اليسر والسهولة. ويشهد بذلك أيضا ملاحظة الحال في موضوعات الأحكام فإنه اكتفى الشارع في إثباتها بطرق مخصوصة من غير التزام بتحصيل العلم بها بالخصوص لما فيه من الحرج والمشقة في كثير من الصور. فإذا كان الحال في الموضوعات على الوجه المذكور مع أن تحصيل العلم بها أسهل فذلك بالنسبة إلى الأحكام أولى، وأيضا من الواضح كون المقصود من الفقه هو العمل، وتحصيل العلم به إنما هو من جهة العلم بصحة العمل وأدائه مطابقا للواقع.
ومن البين أن صحة العمل كما يتوقف على العلم بالحكم كذا يتوقف على العلم بالموضوع، فالاقتصار على خصوص العلم بالنسبة إلى الحكم لا يثمر العلم بصحة العمل بالنظر إلى الواقع مع الاكتفاء بغيره في تحصيل الموضوع، وليس المتحصل للمكلف حينئذ بالنسبة إلى العمل إلا العلم بمطابقة العمل لظاهر الشريعة والقطع بالخروج عن العهدة في حكم الشارع، فينبغي أن يكون ذلك هو المناط بالنسبة إلى العلمين.
فتحصل مما قررنا كون العلم الذي هو مناط التكليف أولا هو العلم بالأحكام من الوجه المقرر شرعا لمعرفتها والوصول إليها، والواجب بالنسبة إلى العمل هو