القسم التاسع عشر إبراز الكلام في صورة المستحيل على طريق المبالغة ليدل على بقية جمله كقول العرب: لا أكلمك حتى يبيض القار، وحتى يشيب الغراب، وكقوله تعالى:
(ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط)، يعنى والجمل لا يلج في السم، فهؤلاء لا يدخلون، فهو في المعنى متعلق بالحال، فالمعنى أنهم لا يدخلون الجنة أصلا، وليس للغاية هنا مفهوم، ووجه التأكيد فيه كدعوى الشئ ببينة، لأنه جعل ولوج الجمل في السم غاية لنفي دخولهم الجنة، وتلك غاية لا توجد، فلا يزال دخولهم الجنة منتفيا.
وغالى بعض الشعراء في وصف جسمه بالنحول، فجاء بما يزيد على الآية، فقال:
ولو أن ما بي من جوى وصبابة * على جمل لم يبق في النار خالد وهذا على طريقة الشعراء في اعتبار المبالغة، وإلا فمعارضات القرآن لا تجوز، كما سبق التنبيه عليه.
ومنه قوله تعالى: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف)، فإن المعنى: إن كان ما سلف في الزمن السالف يمكن رجوعه فحله ثابت، لكن لا يمكن رجوعه أبدا، ولا يثبت حله أبدا، وهو أبلغ في النهي المجرد.
ومنه قوله تعالى: (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين)، أي ولكن ليس له ولد، فلا أعبد سواه.