أن الله تعالى له الإحياء والإماتة، وأن إلههم ليس له سمع ولا بصر، وأن موسى عليه السلام وجد قوما يعانون السقي، وامرأتين تعانيان الذود، وأخبرتاه أنا لا نستطيع السقي، فوجدا من موسى عليه السلام لهما السقي، ووجد من أبيهما مكافأة على السقي. وهذا مما حذف لظهور المراد، وأن القصد الإعلام بأنه كان من الناس في تلك الحالة سقى، ومن المرأتين ذود، وأنهما قالتا: لا يكون منا سقى حتى يصدر الرعاء، وأن موسى سقى بعد ذلك، فأما أن المسقى غنم أو إبل أو غيره فخارج عن المقصود، لأنه لو قيل: يذودان غنمهما لجاز أن يكون الانكار لم يتوجه من موسى على الذود من حيث هو ذود، بل من حيث هو ذود غنم، حتى لو كان ذود إبل لم ينكره.
واعلم أنا جعلنا هذا من الضرب الثاني موافقة للزمخشري، فإنه قال: ترك المفعول لأن الغرض هو الفعل لا المفعول، ألا ترى أنه إنما رحمهما لأنهما كانتا على الذياد وهم على السقي، ولم يرحمهما لأن مذودهما غنم ومسقيهم إبل. وكذلك قولهما: (لا نسقي حتى يصدر الرعاء)، المقصود منه السقي لا المسقى.
وجعله السكاكي من الضرب الأول، أعني مما حذف فيه للاختصار مع الإرادة.
والأقرب قول الزمخشري، ورجح الجزري قول السكاكي أنه للاختصار، فإن الغنم ليست ساقطة عن الاعتبار بالأصالة، فإن فيها ضعفا عن المزاحمة، والمرأتان فيهما ضعف، فإذا انضم إلى ضعف المسقى ضعف الساقي، كان ذلك أدعى للرحمة والإعانة.
وكقوله تعالى: (فأما من أعطى وأتقى).
وقوله: (وأنه هو أغنى وأقنى).