وقد اختلف البيانيون في نحو قوله تعالى: (صم بكم عمي)، إنه تشبيه بليغ أو استعارة؟ والمحققون - كما قاله الزمخشري - على الأول، قال: لأن المستعار له مذكور - وهم المنافقون -، أي مذكور في تقدير الآية، والاستعارة لا يذكر فيها المستعار له، ويجعل الكلام خلوا عنه، بحيث يصلح لأن يراد به المنقول عنه و [المنقول] إليه، لولا القرينة، ومن ثم ترى المفلقين السحرة [منهم كأنهم] يتناسون التشبيه ويضربون عنه صفحا.
وقال السكاكي: لأن من شرط الاستعارة إمكان حمل الكلام على الحقيقة في الظاهر، وتناسي التشبيه، وزيد أسد لا يمكن كونه حقيقة، فلا يجوز أن يكون استعارة.
* * * الثاني: قد يترك التشبيه لفظا ويراد معنى، إذ لو لم يرد معنى ولم يكن منويا، كان استعارة.
مثاله قوله تعالى: (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر)، فهذا تشبيه لا استعارة، لذكر الطرفين: الخيط الأسود، وهو ما يمتد معه من غسق الليل شبيها بخيط أسود وأبيض، وبينا بقوله: (من الفجر) والفجر - وإن كان بيانا للخيط الأبيض - لكن لما كان أحدهما بيانا للآخر لدلالته عليه، اكتفى به عنه، ولولا البيان كان من باب الاستعارة، كما أن قولك: رأيت أسدا، استعارة، فإذا زدت " من فلان " صار تشبيها، وأما أنه لم زيد (من الفجر) حتى صار تشبيها؟ وهلا اقتصر به