وقوله: (ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون.
ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون) فدل على فضل السمع والبصر، حيث جعل مع الصم فقدان العقل، ولم يجعل مع العمي إلا فقدان البصر وحده.
وقوله: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين) كيف أمر ونهى، وأخبر ونادى، ونعت وسمى، وأهلك وأبقى، وأسعد وأشقى، وقص من الأنباء ما لو شرح ما اندرج في هذه الجملة من بديع اللفظ والبلاغة والإيجاز والبيان لجفت الأقلام وانحسرت الأيدي.
وقوله تعالى عن النملة: (يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم) فجمع في هذه اللفظة أحد عشر جنسا من الكلام، نادت، وكنت ونبهت وسمت، وأمرت، وقضت وحذرت، وخصت، وعمت، وأشارت، وغدرت، فالنداء " يا "، والكناية " أي " والتنبيه " ها "، والتسمية النمل، والأمر، " ادخلوا "، والقصص " مساكنكم " والتحذير " لا يحطمنكم "، والتخصيص سليمان، والتعميم جنوده، والإشارة " وهم "، والغدر لا يشعرون. فأدت خمس حقوق: حق الله، وحق رسوله، وحقها، وحق رعيتها وحق جنود سليمان. فحق الله أنها استرعيت على النمل فقامت بحقهم، وحق سليمان أنها نبهته على النمل، وحقها اسقاطها حق الله عن الجنود في نصحهم، وحق الجنود بنصحها لهم ليدخلوا مساكنهم، وحق الجنود إعلامها إياهم وجميع الخلق أن من