الشيء في الحال، فقضاء الله تعالى بحدوث الأرض في يومين قد تقدم على إحداث السماء، ولا يزم منه تقدم إحداث الأرض على إحداث السماء، وحينئذ يزول السؤال، فهذا ما وصلت إليه في هذه الموضع المشكل.
ثم قال تعالى: * (فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين) *.
واعلم أن ظاهر هذا الكلام يقتضي أن الله تعالى أمر السماء والأرض بالإتيان فأطاعا وامتثلا وعند هذا حصل في الآية قولان: القول الأول: أن تجري هذه الآية على ظاهرنا فنقول: إن الله تعالى أمرهما بالإتيان فأطاعاه قال القائلون بهذا القول وهذا غير مستبعد، ألا ترى أنه تعالى أمر الجبال أن تنطق مع داود عليه السلام فقال: * (يا جبال أوبي معه والطير) * (سبأ: 10) والله تعالى تجلى للجبل قال: * (فلما تجلى ربه للجبل) * (الأعراف: 143) والله تعالى أنطق الأيدي والأرجل فقال: * (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون) * (النور: 24) وإذ كان كذلك فكيف يستبعد أن يخلق الله في ذات السماء والأرض حياة وعقلا وفهما، ثم يوجه الأمر والتكليف عليهما، ويتأكد هذا الاحتمال بوجوه الأول: أن الأصل حمل اللفظ على ظاهره إلا إذا منع منه مانع، وههنا لا مانع، فوجب إجراؤه على ظاهره الثاني: أنه تعالى أخبر عنهما، فقال: * (قالتا أتينا طائعين) * وهذا الجمع جمع ما يعقل ويعلم الثالث: قوله تعالى: * (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها) * (الأحزاب: 72) وهذا يدل على كونها عارفة بالله، مخصوصة بتوجيه تكاليف الله عليها، والإشكال عليه أن يقال: المراد من قوله * (ائتيا طوعا أو كرها) * الإتيان إلى الوجود والحدوث والحصول وعلى هذا التقدير فحال توجه هذا الأمر كانت السماوات والأرض معدومة، إذ لو كانت موجودة لصار حاصل هذا الأمر أن يقال: يا موجود كن موجودا، وذلك لا يجوز فثبت أنها حال توجه هذا الأمر عليها كانت معدومة، وإذا كانت معدومة لم تكن فاهمة ولا عارفة للخطاب، فلم يجز توجيه الأمر عليها، فإن قال قائل: روى مجاهد عن ابن عباس أنه قال: قال سبحانه للسموات أطلعي شمسك وقمرك ونجومك، وقال للأرض شققي أنهارك وأخرجي ثمارك، وكان الله تعالى أودع فيهما هذه الأشياء ثم أمرهما بإبرازها وإظهارها، فنقول فعلى هذا التقدير لا يكون المراد من قوله * (أتينا طائعين) * حدوثهما في ذاتهما، بل يصير المراد من هذا الأمر أن يظهرا ما كان مودعا فيهما، إلا أن هذا الكلام باطل، لأنه تعالى قال: * (فقضاهن سبع سماوات في يومين) * والفاء للتعقيب، وذلك يدل على أن حدوث السماوات إنما حصل بعد قوله * (ائتيا طوعا أو كرها) * فهذا جملة ما يمكن ذكره في هذا البحث. القول الثاني: أن قوله تعالى: * (قال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها) * ليس المراد منه توجيه الأمر والتكليف على السماوات والأرض بل المراد منه أنه أراد تكوينهما فلم يمتنعا عليه ووجدتا كما أرادهما، وكانتا في ذلك المأمور المطيع إذا ورد عليه أمر الأمير المطاع، ونظيره قول القائل: قال الجدار للوتد لم تشقني؟