والشيطان ينزغ الإنسان، كأنه ينخسه ببعثه على ما لا ينبغي وجعل النزغ نازغا، كما قيل: جد جده أو أريد * (وإما ينزغنك) * نازغ وصفا للشيطان بالمصدر، وبالجملة فالمقصود من الآية وإن صرفك الشيطان عما شرعت من الدفع بالتي هي أحسن، فاستعذ بالله من شره، وامض على شأنك ولا تطعه، والله أعلم.
قوله تعالى * (ومن ءاياته اليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذى خلقهن إن كنتم إياه تعبدون * فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسمون * ومن ءاياته أنك ترى الارض خاشعة فإذآ أنزلنا عليها المآء اهتزت وربت إن الذى أحياها لمحى الموتى إنه على كل شىء قدير) *.
اعلم أنه تعالى لما بين في الآية المتقدمة أن أحسن الأعمال والأقوال هو الدعوة إلى الله تعالى أردفه بذكر الدلائل الدالة على وجود الله وقدرته وحكمته، تنبيها على أن الدعوة إلى الله تعالى عبارة عن تقرير الدلائل الدالة على ذات الله وصفاته، فهذه تنبيهات شريفة مستفادة من تناسق هذه الآيات، فكان العلم بهذه اللطائف أحسن علوم القرآن، وقد عرفت أن الدلائل الدالة على هذه المطالب العالية هي العالم بجميع ما فيه من الأجزاء والأبعاض، فبدأ ههنا بذكر الفلكيات وهي الليل والنهار وإنما قدم ذكر الليل على ذكر النهار تنبيها على أن الظلمة عدم، والنور وجود، والعدم سابق على الوجود، فهذا كالتنبيه على حدوث هذه الأشياء، وأما دلالة الشمس والقمر والأفلاك وسائر الكواكب على وجود الصانع، فقد شرحناها في هذا الكتاب مرارا، لا سيما في تفسير قوله * (الحمد لله رب العالمين) * (الفاتحة: 2) وفي تفسير قوله * (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض) * (الأنعام: 1).
ولما بين أن الشمس والقمر محدثان، وهما دليلان على وجود الإله القادر قال: * (لا تسجدوا للشمس ولا للقمر) * يعني أنهما عبدان دليلان على وجود الإله، والسجدة عبارة عن نهاية التعظيم