في إظهار ما أظهره، وإلا لم يظهره ولم يكن ذلك قادحا في نبوتهم، فكذلك الحال في اقترح قومك عليك المعجزات الزائدة لما لم يكن إظهارها صلاحا، لا جرم ما أظهرناها، وهذا هو المراد من قوله * (وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله) * ثم قال: * (فإذا جاء أمر الله قضى بالحق) * وهذا وعيد ورد عقيب اقتراح الآيات * (وأمر الله) * القيامة * (والمبطلون) * هم المعاندون لذين يجادلون في آيات الله، ويقترحون المعجزات الزائدة على قدر الحاجة على سبيل التعنت.
قوله تعالى * (الله الذى جعل لكم الانعام لتركبوا منها ومنها تأكلون * ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة فى صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون * ويريكم ءاياته فأى ءايات الله تنكرون) * اعلم أنه تعالى لما أطنب في تقرير الوعيد عاد إلى ذكر ما يدل على وجود الإله الحكيم الرحيم، وإلى كذر ما يصلح أن يعد إنعاما على العباد، قال الزجاج الإبل خاصة، وقال القاضي هي الأزواج الثمانية، وفي الآية سؤالات:
السؤال الأول: أنه لم أدخل لام الغرض على قوله * (لتبلغوا) * ولم يدخل على البواقي فما السبب فيه؟ الجواب: قال صاحب " الكشاف " الركوب في الحج والغزو إما أن يكون واجبا أو مندوبا، فهذان القسمان أغراض دينية فلا جرم أدخل عليهما حرف التعليل، وأما الأكل وإصابة المنافع فمن جنس المباحات، فلا جرم ما أدخل عليه حرف التعليل، نظيره قوله تعالى: * (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة) * (النحل: 8) فأدخل التعليل على الركوب ولم يدخله على الزينة.
السؤال الثاني: قوله تعالى: * (وعليها وعلى الفلك تحملون) * معناه تحملون في البر والبحر إذا عرفت هذا فنقول: لم لم يقل وفي الفلك كما قال * (قلنا أحمل فيها من كل زوجين اثنين) * (هود: 40) والجواب: أن كلمة على للاستعلاء فالشئ الذي يوضع في الفلك كما يصح أن يقال وضع فيه يصح أن يقال وضع عليه، ولما صح الوجهان كانت لفظة أولى حتى يتم المراد في قوله * (وعليها وعلى الفلك تحملون) * ولما ذكر الله هذه الدلائل الكثير قال: * (ويريكم آيته فأي آيات الله تنكرون) * يعني أن هذه الآيات التي عددناها كلها ظاهرة باهرة، فقوله * (فأي آيات الله تنكرون) * تنبيه على أنه ليس في شيء من الدلائل التي تقدم ذكرها ما يمكن إنكاره، قل صاحب " الكشاف " قوله * (فأي آيات الله) *