العمى على الهدى) * ومن المعلوم بالضرورة أن أحدا لا يحب العمى والجهل مع العلم بكونه عمى وجهلا، بل ما لم يظن في ذلك العمى والجهل كونه تبصرة وعلما لا يرغب فيه، فإقدامه على اختيار ذلك الجهل لا بد وأن يكون مسبوقا بجهل آخر، فإن كان ذلك الجهل الثاني باختياره أيضا لزم التسلسل وهو محال، فلا بد من انتهاء تلك الجهالات إلى جهل يحصل فيه لا باختياره وهو المطلوب، ولما وصف الله كفرهم قال: * (فأخذتهم صاعقة العذاب الهون) * و * (صاعقة العذاب) * أي داهية العذاب و * (الهون) * الهوان، وصف به العذاب مبالغة أو أبدل منه * (بما كانوا يكسبون) * يريد من شركهم وتكذيبهم صالحا وعقرهم الناقة، وشرع صاحب " الكشاف " ههنا في سفاهة عظيمة. والأولى أن لا يلتفت إليه أنه وإن كان قد سعى سعيا حسنا فيما يتعلق بالألفاظ، إلا أن المسكين كان بعيدا من المعاني.
ولما ذكر الله الوعيد أردفه بالوعد فقال: * (ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون) * يعني وكانوا يتقون الأعمال التي كان يأتي بها قوم عاد وثمود، فإن قيل: كيف يجوز للرسول صلى الله عليه وسلم أن ينذر قومه مثل صاعقة عاد وثمود، مع العلم بأن ذلك لا يقع في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد صرح الله تعالى بذلك في قوله * (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم * ((الأنفال: 33) وجاء في الأحاديث الصحيحة أن الله تعالى رفع عن هذه الأمة هذه الأنواع من الآفات قلنا إنهم لما عرفوا كونهم مشاركين لعاد وثمود في استحقاق مثل تلك الصاعقة جوزوا حدوث ما يكون من جنس ذلك، وإن كان أقل درجة مهم وهذا القدر يكفي في التخويف.
قوله تعالى * (ويوم يحشر أعدآء الله إلى النار فهم يوزعون * حتى إذا ما جآءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون * وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذى أنطق كل شىء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون * وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون * وذلكم ظنكم الذى ظننتم