من غير أن يرحم حاجتهم ومن غير أن يسمع دعاءهم ومن غير أن يلتفت إلى تضرعهم وانكسارهم، ولو أن أقصى الناس قلبا فعل مثل هذا التعذيب ببعض عبيده لدعاه كرمه ورحمته إلى العفو عنه مع أن هذا السيد في محل النفع والضرر والحاجة، فأكرم الأكرمين كيف يليق به هذا الإضرار؟ قلنا أفعال الله لا تعلل و * (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) * (الأنبياء: 23) فلما جاء الحكم الحق به في الكتاب الحق وجب الإقرار به والله أعلم بالصواب.
قوله تعالى * (إنا لننصر رسلنا والذين ءامنوا فى الحيوة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد * يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار * ولقد ءاتينا موسى الهدى وأورثنا بنى إسراءيل الكتاب * هدى وذكرى لاولى الالباب * فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشى والابكار) *.
اعلم أن في كيفية النظم وجوها الأول: أنه تعالى لما ذكر وقاية الله موسى صلوات الله عليه وذلك المؤمن من مكر فرعون بين في هذه الآية أنه ينصر رسله والذين آمنوا معه والثاني: لما بين من قبل ما يقع بين أهل النار من التخاصم وأنهم عند الفزع إلى خزنة جهنم يقولون * (أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات) * (غافر: 50) أتبع ذلك بذكر الرسل وأنه ينصرهم في الدنيا والآخرة والثالث: وهو الأقرب عندي أن الكلام في أول السورة إنما وقع من قوله * (ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد) * (غافر: 4) وامتد الكلام في الرد على أولئك المجادلين وعلى أن المحقين أبدا كانوا مشغولين بدفع كيد المبطلين، وكل لذلك إنما ذكره الله تعالى تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وتصبيرا له على تحمل أذى قومه. ولما بلغ الكلام في تقرير المطلوب إلى الغاية القصوى وعد تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن ينصره على أعدائه في الحياة الدنيا وفي الآخرة فقال: * (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا) * الآية، أما في الدنيا فهو المراد بقوله * (في الحياة الدنيا) *، وأما في الآخرة فهو المراد بقوله * (ويوم يقوم الأشهاد) *