ونحن نحمله على التوبة عن ترك الأولى والأفضل، أو على ما كان قد صدر عنهم قبل النبوة، وقيل أيضا المقصود منه محض التعبد كما في قوله * (ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك) * (آل عمران: 194) فإن إيتاء ذلك الشيء واجب ثم إنه أمرنا بطلبه، وكقوله * (رب احكم بالحق) * (الأنبياء: 112) من أنا نعلم أنه لا يحكم إلا بالحق، وقيل إضافة المصدر إلى الفاعل والمفعول فقوله * (واستغفر لذنبك) * من باب إضافة المصدر إلى المفعول أي واستغفر لذنب أمتك في حقك، وأما الاشتغال بما ينبغي فهو قوله * (وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار) * والتسبيح عبارة عن تنزيه الله عن كل ما لا يليق به، والعشي والإبكار، قيل صلاة العصر وصلاة الفجر، وقيل الإبكار، عبارة عن أو النهار إلى النصف، والعشي عبارة عن النصف إلى آخر النهار، فيدخل فيه كل الأوقات، وقيل المراد طرفا النهار، كما قال: * (وأقم الصلاة طرفي النهار) * (هود: 114) وبالجملة فالمراد منه الأمر بالمواظبة على ذكر الله، وأن لا يفتر اللسان عنه، وأن لا يغفل القلب عنه، حتى يصير الإنسان بهذا السبب داخلا في زمرة الملائكة، كما قال في وصفهم * (يسبحون الليل والنهار لا يفترون) * (الأنبياء: 20) والله أعلم.
قوله تعالى * (إن الذين يجادلون فى ءايات الله بغير سلطان أتاهم إن فى صدورهم إلا كبر ماهم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير * لخلق السماوات والارض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون * وما يستوى الاعمى والبصير والذين ءامنوا وعملوا الصالحات ولا المسىء قليلا ما تتذكرون * إن الساعة لاتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) *.
اعلم أنا بينا أن الكلام في أول هذه السورة إنما ابتدئ ردا على الذين يجادلون في آيات الله، واتصل البعض بالبعض وامتد على الترتيب الذي لخصناه، والنسق الذي كشفنا عنه إلى هذا