واعلم أن هذا الكلام يدل على أن المؤمن عند الموت وفي القبر وعند البعث لا يكون فازعا من الأهوال ومن الفزع الشديد، بل يكون آمن القلب ساكن الصدر لأن قوله * (ألا تخافوا ولا تحزنوا) * يفيد نفي الخوف والحزن على الإطلاق. ثم إنه تعالى أخبر عن الملائكة أنهم قالوا للمؤمنين * (نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة) * وهذا في مقابلة ما ذكره في وعيد الكفار حيث قال: * (وقضينا لهم قرناء) * (فصلت: 25) ومعنى كونهم أولياء للمؤمنين أن الملائكة تأثيرات في الأرواح البشرية، بالإلهامات والمكاشفات اليقينية، والمقامات الحقيقية، كما أن للشياطين تأثيرات في الأرواح بإلقاء الوساوس فيها وتخييل الأباطيل إليها. وبالجملة فكون الملائكة أولياء للأرواح الطبية الطاهرة حاصل من جهات كثيرة معلومة لأرباب المكاشفات والمشاهدات، فهم يقولون: كما أن تلك الولاية كانت حاصلة في الدنيا فهي تكون باقية في الآخرة فإن تلك العلائق ذاتية لازمة غير قابلة للزوال، بل كأنها تصير بعد الموت أقوى وأبقى، وذلك لأن جوهر النفس من جنس الملائكة، وهي كالشعلة بالنسبة إلى المشي، والقطرة بالنسبة إلى البحر، والتعلقات الجسمانية هي التي تحول بينها وبين الملائكة، كما قال صلى الله عليه وسلم: " لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات " فإذا زالت العلائق الجسمانية والتدبيرات البدنية، فقد زال الغطاء والوطاء، فيتصل الأثر بالمؤثر، والقطرة بالبحر، والشعلة بالشمس، فهذا هو المراد من قوله * (نحن أولياؤكم في الحياة وفي الآخرة) * ثم قال: * (ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون) * قال ابن عباس: * (ولكم فيها ما تدعون) * أي ما تتمنون، كقوله تعالى: * (لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون) * (يس: 57) فإن قيل فعلى هذا التفسير لا يبقى فرق بين قوله * (ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم) * وبين قوله * (ولكم فيها ما تدعون) * قلنا: الأقرب عندي أن قوله * (ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم) * إشارة إلى الجنة الجسمانية، وقوله * (ولكم فيها ما تدعون) * إشارة إلى الجنة الروحانية المذكورة في قوله * (دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين) * (يونس: 10).
ثم قال: * (نزلا من غفور رحيم) * والنزل: رزق النزيل وهو الضيف، وانتصابه على الحال، قال العارفون: دلت هذه الآية على أن كل هذه الأشياء المذكورة جارية مجرى النزل، والكريم إذ أعطى النزل فلا بد وأن يبعث الخلع النفسية بعدها، وتلك الخلع النفسية ليست إلا السعادات الحاصلة عند الرؤية والتجلي والكشف التام، نسأل الله تعالى أن يجعلنا لها أهلا بفضله وكرمه، إنه قريب مجيب.
قوله تعالى * (ومن أحسن قولا ممن دعآ إلى الله وعمل صالحا وقال إننى من المسلمين * ولا