الثالث: أن المراد من إضافة الأقوات إلى الأرض كونها متولدة من تلك الأرض، وحادثة فيها لأن النحويين قالوا يكفي في حسن الإضافة أدنى سبب فالشئ قد يضاف إلى فاعله تارة وإلى محله أخرى، فقوله * (وقدر فيها أقواتها) * أي قدر الأقوات التي يختص حدوثها بها، وذلك لأنه تعالى جعل كل بلدة معدنا لنوع آخر من الأشياء المطلوبة، حتى أن أهل هذه البلدة يحتاجون إلى الأشياء المتولدة في تلك البلدة وبالعكس، فصار هذا المعنى سببا لرغبة الناس في التجارات من اكتساب الأموال، ورأيت من كان يقول صنعة الزراعة والحراثة أكثر الحرف والصنائع بركة، لأن الله تعالى وضع الأرزاق والأقوات في الأرض قال: * (وقدر فيها أقواتها) * وإذا كانت الأقوات موضوعة في الأرض كان طلبها من الأرض متعينا، ولما ذكر الله سبحانه هذه الأنواع الثلاثة من التدبير قال بعده: * (في أربعة أيام سواء للسائلين) * وههنا سؤالات:
السؤال الأول: أنه تعالى ذكر أنه خلق الأرض في يومين، وذكر أنه أصلح هذه الأنواع الثلاثة في أربعة أيام أخر، وذكر أنه خلق السماوات في يومين، فيكون المجموع ثمانية أيام، لكنه ذكر في سائر الآيات أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام فلزم التناقض، واعلم أن العلماء أجابوا عنه بأن قالوا المراد من قوله * (وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام) * مع اليومين الأولين، وهذا كقول القائل سرت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام، وسرت إلى الكوفة في خمسة عشر يوما يريد كلا المسافتين، ويقول الرجل للرجل أعطيتك ألفا في شهر وألوفا في شهرين فيدخل الألف في الألوف والشهر في الشهرين. السؤال الثاني: أنه ملا ذكر أنه خلق الأرض في يومين، فلو ذكر أنه خلق هذه الأنواع الثلاثة الباقية في يومين آخرين كان أبعد عن الشبهة وأبعد عن الغلط، فلم ترك هذا التصريح، وذكر ذلك الكلام المجمل؟ والجواب: أن قوله * (في أربعة أيام سواء للسائلين) * فيه فائدة على ما إذا قال خلقت هذه الثلاثة في يومين، وذلك لأنه لو قال خلقت هذه الأشياء في يومين مع أن اليومين ما كانا مستغرقين بذلك العمل، أما لما ذكر خلق الأرض وخلق هذه الأشياء، ثم قاتل بعده: * (في أربعة أيام سواء للسائلين) * دل ذلك على أن هذه الأيام الأربعة صارت مستغرقة في تلك الأعمال من غير زيادة ولا نقصان.
السؤال الثالث: كيف القراءات في قوله * (سواء) *؟ والجواب: قال صاحب " الكشاف " قرىء * (سواء) * بالحركات الثلاثة الجر على الوصف والنصب على المصدر استوت سواء والرفع على هي سواء. السؤال الرابع: ما المراد من كون تلك الأيام الأربعة سواء؟ فنقول إن الأيام قد تكون متساوية المقادير كالأيام الموجودة في أماكن خط الاستواء وقد تكون مختلفة كالأيام