يعدي الشفاعة بغير لام، فيقول شفعت فلانا بمعنى شفعت له كما تقول كلمته وكلمت له ونصحته ونصحت له والقول الثاني: إن الذين يدعون من دونه كل معبود من دون الله، وقوله * (إلا من شهد بالحق) * الملائكة وعيسى وعزيز، والمعنى أن الأشياء التي عبدها الكفار لا يملكون الشفاعة إلا من شهد بالحق، وهم الملائكة وعيسى وعزيز فإن لهم شفاعة عند الله ومنزلة، ومعنى من شهد بالحق من شهد أنه لا إله إلا الله.
ثم قال تعالى: * (وهم يعلمون) * وهذا القيد يدل على أن الشهادة باللسان فقط لا تفيد البتة، واحتج القائلون بأن إيمان المقلد لا ينفع البتة، فقالوا بين الله تعالى أن الشهادة لا تنفع إلا إذا حصل معها العلم والعلم عبارة عن اليقين الذي لو شكك صاحبه فيه لم يتشكك، وهذا لم يحصل إلا عند الدليل، فثبت أن إيمان المقلد لا ينفع البتة.
ثم قال تعالى: * (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: ظن قوم أن هذه الآية وأمثالها في القرآن تدل على أن القوم مضطرون إلى الاعتراف بوجود الإله للعالم، قال الجبائي وهذا لا يصح لأن قوم فرعون قالوا لا إله لهم غيره، وقوم إبراهيم قالوا * (وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه) * (إبراهيم: 9) فيقال لهم لا نسلم أن قوم فرعون كانوا منكرين لوجود الإله، والدليل على قولنا قوله تعالى: * (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما) * (النمل: 14) وقال موسى لفرعون * (لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر) * (الإسراء: 102) فالقراءة بفتح التاء في علمت تدل على أن فرعون كان عارفا بالله، وأما قوم إبراهيم حيث قالوا * (وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه) * فهو مصروف إلى إثبات القيامة وإثبات التكاليف وإثبات النبوة.
المسألة الثالثة: اعلم أنه تعالى ذكر هذا الكلام في أول هذه السورة وفي آخرها، والمقصود التنبيه على أنهم لما اعتقدوا أن خالق العالم وخالق الحيوانات هو الله تعالى فكيف أقدموا مع هذا الاعتقاد على عبادة أجسام خسيسة وأصنام خبيثة لا تضر ولا تنفع، بل هي جمادات محضة.
وأما قوله * (فأنى تؤفكون) * معناه لم تكذبون على الله فتقولون إن الله أمرنا بعبادة الأصنام، وقد احتج بعض أصحابنا به على أن إفكهم ليس منهم بل من غيرهم بقوله * (فأنى تؤفكون) * وأجاب القاضي بأن من يضل في فهم الكلام أو في الطريق يقال له أين يذهب بك، والمراد أين تذهب، وأجاب الأصحاب بأن قول القائل أين يذهب بك ظاهره يدل على أن ذاهبا آخر ذهب به، فصرف الكلام عن حقيقته خلاف الأصل الظاهر، وأيضا فإن الذي ذهب به هو الذي خلق تلك الداعية في قلبه، وقد ثبت بالبرهان الباهر أن خالق تلك الداعية هو الله تعالى.
ثم قال تعالى: * (وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون) * وفيه مباحث:
الأول: قرأ الأكثرون * (وقيله) * بفتح اللام وقرأ عاصم وحمزة بكسر اللام، قال الواحدي وقرأ أناس من غير السبعة بالرفع، أما الذين قرؤا بالنصب فذكر الأخفش والفراء فيه قولين