الحاء، قال صاحب " الكشاف " يقال نحس نحسا نقيض سعد سعدا فهو نحس، وأما نحس فهو إما مخفف نحس أو صفة على فعل أو نصف بمصدر.
المسألة الثانية: استدل الأحكاميون من المنجمين بهذه الآية على أن بعض الأيام قد يكون نحسا وبعضها قد يكون سعدا، وقالوا هذه الآية صريحة في هذا المعنى، أجاب المتكلمون بأن قالوا * (أيام نحسات) * أي ذوات غبار وتراب ثائر لا يكاد يبصر فيه ويتصرف، وأيضا قالوا معنى كون هذه الأيام نحسات أن الله أهلكهم فيها، أجاب المستدل الأول بأن النحسات في وضع اللغة هي المشؤمات لأن السعد يقابله السعد، والكدر يقابله الصافي، وأجاب عن السؤال الثاني أن الله تعالى أخبر عن إيقاع ذلك العذاب في تلك الأيام النحسات، فوجب أن يكون كون تلك الأيام نحسة مغايرا لذلك العذاب الذي وقع فيها.
ثم قال تعالى: * (ولنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا) * أي عذاب الهوان والذل، والسبب فيه أنهم استكبروا، فقابل الله ذلك الاستكبار بإيصال الخزي والهوان والذل إليهم.
ثم قال تعالى * (ولعذاب الآخرة أخزى) * أي أشد إهانة وخزيا * (وهم لا ينصرون) * أي أنهم يقعون في الخزي الشديد ومع ذلك فلا يكون لهم ناصر يدفع ذلك الخزي عنهم. ولما ذكر الله قصة عاد أتبعه بقصة ثمود فقال: * (وأما ثمود) * قال صاحب " الكشاف " قرىء * (ثمود) * بالرفع والنصب منونا وغير منون والرفع أفصح لوقوعه بعد حرف الابتداء وقرئ بضم الثاء وقوله * (فهديناهم) * أي دللناهم على طريق الخير والشر * (فاستحبوا العمى على الهدى) * أي اختاروا الدخول في الضلالة على الدخول في الرشد.
واعلم أن صاحب " الكشاف " ذكر في تفسير الهدى في قوله تعالى: * (هدى للمتقين) * (البقرة: 2) أن الهدى عبارة عن الدلالة الموصلة إلى البغية، وهذه الآية تبطل قوله، لأنها تدل على أن الهدى قد حصل مع أن الإفضاء إلى البغية لم يحصل، فثبت أن قيد مفضيا إلى البغية غير معتبر في اسم الهدى.
وقد ثبت في هذه الآية سؤال يشعر بذلك إلا أنه لم يذكر جوابا شافيا فتركناه، قالت المعتزلة هذه الآية دالة على أن الله تعالى قد ينصب الدلائل ويزيح الأعذار والعلل، إلا أن الإيمان إنما يحصل من العبد لأن قوله * (وأما ثمود فهديناهم) * يدل على أنه تعالى قد نصب لهم الدلائل وقوله * (فاستحبوا العمى على الهدى) * يدل على أنهم من عند أنفسهم أتوا بذلك العمى فهذا يدل على أن الكفر والإيمان يحصلان من العبد، وأقول بل هذه الآية من أدل الدلائل، على أنهما إنما يحصلان من الله لا من العبد، وبيانه من وجهين: الأول: أنهم إنما صدر عنهم ذلك العمى، لأنهم أحبوا تحصيله، فلما وقع في قلبهم هذه المحبة دون محبة ضده، فإن حصل ذلك الترجيح لا لمرجح فهو باطل، وإن كان المرجح هو العبد عاد الطلب، وإن كان المرجح هو الله فقد حصل المطلوب الثاني: أنه تعالى قال: * (فاستحبوا