المراد بالكتاب وجوه الأول: أنه اللوح المحفوظ الذي يحصل فيه شرح أحوال عالم الدنيا إلى وقت قيام القيامة الثاني: المراد كتب الأعمال كما قال تعالى في سورة سبحان * (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا) * (الإسرار: 13) وقال أيضا في آية أخرى * (ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) * (الكهف: 49) وثالثها: قوله * (وجئ بالنبيين) * والمراد أن يكونوا شهداء على الناس، قال تعالى: * (كيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) * (النساء: 41) وقال تعالى: * (يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم) * (المائدة: 109) ورابعها: قوله * (والشهداء) * والمراد ما قاله في * (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس) * (البقرة: 143) أو أراد بالشهداء المؤمنين، وقال مقاتل: يعني الحفظة، ويدل عليه قوله تعالى: * (وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد) * (ق: 21) وقيل أراد بالشهداء المستشهدين في سبيل الله، ولما بين الله تعالى أنه يحضر في محفل القيامة جميع ما يحتاج إليه في فصل الحكومات وقطع الخصومات، بين تعالى أنه يوصل إلى كل أحد حقه، وعبر تعالى عن هذا المعنى بأربع عبارات أولها: قوله تعالى: * (وقضى بينهم بالحق) * وثانيها: قوله * (وهم لا يظلمون) * وثالثها: قوله * (ووفيت كل نفس ما عملت) * أي وفيت كل نفس جزاء ما علمت، ورابعها: قوله: * (وهم أعلم بما يفعلون) * يعني أنه تعالى إذا لم يكن عالما بكيفيات أحوالهم فلعله لا يقضي بالحق لأجل عدم العلم، أما إذا كان عالما بمقادير أفعالهم وبكيفياتها امتنع دخول الخطأ في ذلك الحكم، فثبت أنه تعالى عبر عن هذا المقصود بهذه العبارات المختلفة، والمقصود المبالغة في تقرير أن كل مكلف فإنه يصل إلى حقه.
قوله تعالى * (وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جآءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتهآ ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم ءايات ربكم وينذرونكم لقآء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين * قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين) * اعلم أنه تعالى لما شرح أحوال أهل القيامة على سبيل الإجمال فقال: * (ووفيت كل نفس ما عملت) * (الزمر: 70) بين بعده كيفية أحوال أهل العقاب، ثم كيفية أحوال أهل الثواب وختم السورة.