لا يلزم من امتناع التأثر في حق الله امتناع السمع والبصر في حقه، فإن قالوا هب أن السمع والبصر حالتان مغايرتان لتأثر الحاسة إلا أن حصولهما مشروط بحصول ذلك التأثر، فلما كان حصول ذلك التأثر في حق الله تعالى ممتنعا كان حصول السمع والبصر في حق الله ممتنعا، فنقول ظاهر قوله * (وهو السميع البصير) * يدل على كونه سميعا بصيرا فلم يجز لنا أن نعدل عن هذا الظاهر إلا إذا قام الدليل على أن الحاسة المسماة بالسمع والبصر مشروطة بحصول التأثر، والتأثر في حق الله تعالى ممتنع، فكان حصول الحاسة المسماة بالسمع والبصر ممتنعا، وأنتم المدعون لهذا الاشتراط فعليكم الدلالة على حصوله، وإنما نحن متمسكون بظاهر اللفظ إلى أن تذكروا ما يوجب العدول عنه، فإن قال قائل قوله * (وهو السميع البصير) * يفيد الحصر، فما معنى هذا الحصر، مع أن العباد أيضا موصوفون بكونهم سميعين بصيرين؟ فنقول السميع والبصير لفظان مشعران بحصول هاتين الصفتين على سبيل الكمال، والكمال في كل الصفات ليس إلا لله، فهذا هو المراد من هذا الحصر.
أما قوله تعالى: * (له مقاليد السماوات والأرض) * فاعلم أن المراد من الآية أنه تعالى: فاطر السماوات والأرض والأصنام ليست كذلك، وأيضا فهو خالق أنفسنا وأزواجنا وخالق أولادنا منا ومن أزواجنا، والأصنام ليست كذلك، وأيضا فله مقاليد السماوات والأرض والأصنام ليست كذلك، والمقصود من الكل بيان القادر المنعم الكريم الرحيم، فكيف يجوز جعل الأصنام التي هي جمادات مساوية له في المعبودية؟ فقوله * (له مقاليد السماوات والأرض) * يريد مفاتيح الرزق من السماوات والأرض، فمقاليد السماوات الأمطار، ومقاليد الأرض النبات، وذكرنا تفسير المقاليد في سورة الزمر عند قوله * (يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) * (الزمر: 52) لأن مفاتيح الأرزاق بيده * (إنه بكل شيء) * من البسط والتقدير * (عليم) *.
قوله تعالى * (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذى أوحينآ إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبى إليه من يشآء ويهدى إليه من ينيب * وما تفرقوا إلا من بعد ما جآءهم العلم بغيا بينهم ولولا