وعاصم في بعض الروايات بغير فتح وكلهم يقفون عليه بإثبات الياء لأنها ثابتة في المصحف، إلا في بعض رواية أبي بكر عن عاصم أنه يقف بغير ياء، وقرأ أبو عمرو والكسائي تقنطوا بكسر النون والباقون بفتحها وهما لغتان، قال صاحب " الكشاف "، وفي قراءة ابن عباس، وابن مسعود * (يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء) *.
ثم قال تعالى: " وأنيبوا إلى ربكم) * قال صاحب " الكشاف " أي وتوبوا إليه وأسلموا له أي وأخلصوا له العمل، وإنما ذكر الإنابة على أثر المغفرة لئلا يطمع طامع في حصولها بغير توبة وللدلالة على أنها شرط فيها لازم لا تحصل بدونه، وأقول هذا الكلام ضعيف جدا لأن عندنا التوبة عن المعاصي واجبة فلم يلزم من ورود الأمر بها طعن في الوعد بالمغفرة، فإن قالوا لو كان الوعد بالمغفرة حاصلا قطعا لما احتيج إلى التوبة، لأن التوبة إنما تراد لإسقاط العقاب، فإذا سقط العقاب بعفو الله عنه فلا حاجة إلى التوبة، فنقول هذا ضعيف لأن مذهبنا أنه تعالى وإن كان يغفر الذنوب قطعا ويعفو عنها قطعا إلا أن هذا العفو والغفران يقع على وجهين تارة يقع ابتداء وتارة يعذب مدة في النار ثم يخرجه من النار ويعفو عنه، ففائدة التوبة إزالة هذا العقاب، فثبت أن الذي قاله صاحب " الكشاف " ضعيف ولا فائدة فيه.
ثم قال: * (واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم) * واعلم أنه تعالى لما وعد بالمغفرة أمر بعد هذا الوعد بأشياء فالأول: أمر بالإنابة وهو قوله تعالى: * (وأنيبوا إلى ربكم) * والثاني: أمر بمتابعة الأحسن، وفي المراد بهذا الأحسن وجوه الأول: أنه القرآن ومعناه واتبعوا القرآن والدليل عليه قوله تعالى: * (الله نزل أحسن الحديث كتابا) * (الزمر: 23) الثاني: قال الحسن معناه، والتزموا طاعة الله واجتنبوا معصية الله، فإن الذي أنزل على ثلاثة أوجه، ذكر القبيح ليجتنب عنه، والأدون لئلا يرغب فيه، والأحسن ليتقوى به ويتبع الثالث: المراد بالأحسن الناسخ دون المنسوخ لأن الناسخ أحسن من المنسوخ، لقوله تعالى: * (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) * (البقرة: 106) ولأن الله تعالى لما نسخ حكما وأثبت حكما آخر كان اعتمادنا على المنسوخ.
ثم قال: * (من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون) * والمراد منه التهديد والتخويف والمعنى أنه يفجأ العذاب وأنتم غافلون عنه، واعلم أنه تعالى لما خوفهم بالعذاب بين تعالى أن بتقدير نزول العذاب عليهم ماذا يقولون فحكى الله تعالى عنهم ثلاثة أنواع من الكلمات فالأول: قوله تعالى: * (أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قوله * (أن تقول) * مفعول له أي كراهة أن تقول: * (يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله) * وأما تنكير لفظ النفس ففيه وجهان الأول: يجوز أن تراد نفس ممتازة عن سائر النفوس لأجل اختصاصها بمزيد إضرار بما لا ينفي رغبتها في المعاصي والثاني: يجوز أن