الآية وعيدا شديدا في الإتيان بالزنا، لأن مقدمة الزنا إنما تحصل بالكف، ونهاية الأمر فيها إنما تحصل بالفخذ.
ثم حكى الله تعالى أنهم يقولون لتلك الأعضاء * (لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون) * ومعناه أن القادر على خلقكم وإنطاقكم في المرة الأولى حالما كنتم في الدنيا ثم على خلقكم وإنطاقكم في المرة الثانية وهي حال القيامة والبعث يستبعد منه إنطاق الجوارح والأعضاء؟
ثم قال تعالى: * (وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم) * والمعنى إثبات أنهم كانوا يستترون عند الإقدام على الأعمال القبيحة، إلا أن استتارهم ما كان لأجل خوفهم من أن يشهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم وذلك لأنهم كانوا منكرين للبعث والقيامة، ولكن ذلك الاستتار لأجل أنهم كانوا يظنون أن الله لا يعلم الأعمال التي يقدمون عليها على سبيل الخفية والاستتار. عن ابن مسعود قال: كنت مستترا بأستار الكعبة فدخل ثلاثة نفر على ثقفيان وقرشي فقال أحدهم: أترون الله يسمع ما تقولون؟ فقال الرجلان إذا سمعنا أصواتنا سمع وإلا لم يسمع. فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل * (وما كنتم تستترون) *.
ثم قال تعالى: * (وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرادكم فأصبحتم من الخاسرين) * وهذا نص صريح في أن من ظن بالله تعالى أنه يخرج شيء من المعلومات عن علمه فإنه يكون من الهالكين الخاسرين، قال أهل التحقيق الظن قسمان ظن حسن بالله تعالى وظن فاسد، أما الظن الحسن فهو أن يظن به الرحمة والفضل، قال صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله عز وجل: " أنا عند ظن عبدي بي " وقال صلى الله عليه وسلم: " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله "، والظن القبيح فاسد وهو أن يظن بالله أنه يعزب عن علمه بعض هذه الأحوال، وقال قتادة: الظن نوعان ظن منج وظن مرد، فالمنج قوله * (إني ظننت أني ملاق حسابيه) * (الحاقة: 20) وقوله * (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم) * (البقرة: 46)، وأما الظن المردي فهو قوله * (وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرادكم) * قال صاحب " الكشاف " * (وذلكم) * رفع بالابتداء * (وظنكم) * و * (أرداكم) * خبران ويجوز أن يكون ظنكم بدلا من ذلكم وأرداكم الخبر. ثم قال: * (فإن يصبروا فالنار مثوى لهم) * يعني إن أمسكوا عن الاستغاثة لفرج ينتظرونه لم يجدوا ذلك وتكون النار مثوى لهم أي مقاما لهم * (وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين) * أي لم يعطوا العتبى ولم يجابوا إليها، ونظيره قوله تعالى: * (أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص) * (إبراهيم: 21) وقرئ وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين أي أن يسألوا أن يرضوا ربهم فما هم فاعلون أي لا سبيل لهم إلى ذلك.
قوله تعالى * (وقيضنا لهم قرنآء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول فى أمم