من الله تعالى أشياء كثيرة للمؤمنين، فالمطلوب الأول الغفران وقد سبق تفسيره في قوله * (فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك) * فإن قيل لا معنى للغفران إلا إسقاط العذاب، وعلى هذا التقدير فلا فرق بين قوله: فاغفر لهم، وبين قوله * (وقهم عذاب الجحيم) * قلنا دلالة لفظ المغفرة على إسقاط عذاب الجحيم دلالة حاصلة على الرمز والإشارة، فلما ذكروا هذا الدعاء على سبيل الرمز والإشارة أردفوه بذكره على سبيل التصريح لأجل التأكيد والمبالغة، واعلم أنهم لما طلبوا من الله إزالة العذاب عنهم أردفوه بأن طلبوا من الله إيصال الثواب إليهم فقالوا * (ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم) * فإن قيل أنتم زعمتم أن هذه الشفاعة إنما حصلت للمذنبين وهذه الآية تبطل ذلك لأنه تعالى ما وعد المذنبين بأن يدخلهم في جنات عدن، قلنا لا نسلم أنه ما وعدهم بذلك، لأنا بينا أن الدلائل الكثيرة في القرآن دلت على أنه تعالى لا يخلد أهل لا إله إلا الله محمد رسول الله في النار، وإذا أخرجهم من النار وجب أن يدخلهم الجنة فكان هذا وعدا من الله تعالى لهم بأن يدخلهم في جنات عدن، إما من غير دخول النار وإما بعد أن يدخلهم النار. قال تعالى: * (ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم) * يعني وأدخل معهم في الجنة هؤلاء الطوائف الثلاث، وهم الصالحون من الآباء والأزواج والذريات، وذلك لأن الرجل إذا حضر معه في وضع عيشه وسروره أهله وعشيرته كان ابتهاجه أكمل، قال الفراء والزجاج * (من صلح) * نصب من مكانين فإن شئت رددته على الضمير في قوله * (وأدخلهم) * وإن شئت في * (وعدتهم) * والمراد من قوله * (ومن صلح) * أهل الإيمان، ثم قالوا: * (إنك أنت العزيز الحكيم) * وإنما ذكروا في دعائهم هذين الوصفين لأنه لو لم يكن عزيزا بل كان بحيث يغلب ويمنع لما صح وقوع المطلوب منه، ولو لم يكن حكيما لما حصل هذا المطلوب على وفق الحكمة والمصلحة، ثم قالوا بعد ذلك * (وقهم السيئات) * قال بعضهم المراد وقهم عذاب السيئات، فإن قيل فعلى هذا التقدير لا فرق بين قوله * (وقهم السيئات) * وبين ما تقدم من قوله * (وقهم عذاب الجحيم) * وحينئذ يلزم التكرار الخالي عن الفائدة وإنه لا يجوز، قلنا بل التفاوت حاصل من وجهين الأول: أن يكون قوله * (وقهم عذاب الجحيم) * دعاء مذكور للأصول وقوله * (وقهم السيئات) * دعاء مذكورا للفروع الثاني: أن يكون قوله * (وقهم عذاب الجحيم) * مقصورا على إزالة الجحيم وقوله * (وقهم السيئات) * يتناول عذاب الجحيم وعذاب موقف القيامة وعذاب الحساب والسؤال.
والقول الثاني: في تفسير * (وقهم السيئات) * هو أن الملائكة طلبوا إزالة عذاب النار بقولهم * (وقهم عذاب الجحيم) * وطلبوا إيصال ثواب الجنة إليهم بقولهم * (وأدخلهم جنات عدن) * ثم طلبوا بعد ذلك أن يصونهم الله تعالى في الدنيا عن العقائد الفاسدة، والأعمال الفاسدة، وهو المراد بقولهم * (وقهم السيئات) * ثم قالوا * (ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته) * يعني ومن تق السيئات في الدنيا فقد رحمته في يوم القيامة، ثم قالوا * (وذلك هو الفوز العظيم) * حيث وجدوا بأعمال منقطعة نعيما، وبأعمال حقيرة ملكا لا تصل العقول إلى كنه جلالته.