ثم قال: * (إنا كنا مرسلين) * يعني أنا إنما فعلنا ذلك الإنذار لأجل إنا كنا مرسلين يعني الأنبياء.
ثم قال: * (رحمة من ربك) * أي للرحمة فهي نصب على أن يكون مفعولا له.
ثم قال: * (إنه هو السميع العليم) * يعني أن تلك الرحمة كانت رحمة في الحقيقة لأن المحتاجين، إما أن يذكروا بألسنتهم حاجاتهم، وإما أن لا يذكروها فهو تعالى يسمع كلامهم فيعرف حاجاتهم، وإن لم يذكروها فهي تعالى عالم بها فثبت أن كونه سميعا عليما يقتضي أن ينزل رحمته عليهم.
ثم قال: * (رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين) * وفيه مسائل: المسألة لأولى: قرأ عاصم وحمزة والكسائي بكسر الباء من رب عطفا على قوله * (رحمة من ربك) * والباقون بالرفع عطفا على قوله * (هو السميع العليم) *.
المسألة الثانية: المقصود من هذه الآية أن المنزل إذا كان موصوفا بهذه الجلالة والكبرياء كان المنزل الذي هو القرآن في غاية الشرف والرفعة.
المسألة الثالثة: الفائدة في قوله * (إن كنتم موقنين) * من وجوه الأول: قال أبو مسلم معناه إن كنتم تطلبون اليقين وتريدونه، فاعرفوا أن الأمر كما قلنا، كقولهم فلان منجد منهم أي يريد نجدا وتهامة والثاني: قال صاحب " الكشاف " كانوا يقرون بأن للسموات والأرض ربا وخالقا فقيل لهم إن إرسال الرسل وإنزال الكتب رحمة من الرب سبحانه وتعالى، ثم قيل إن هذا هو السميع العليم الذي أنتم مقرون به ومعترفون يأنه رب السماوات والأرض وما بينهما إن كان إقراركم عن علم ويقين، كما تقول هذا إنعام زيد الذي تسامع الناس بكرمه إن بلغك حديثه وسمعت قصته، ثم إنه تعالى رد أن يكونوا موقنين بقوله * (بل هم في شك يلعبون) * وأن إقرارهم غير صادر عن علم ويقين ولا عن جد وحقيقة بل قول مخلوط بهزء ولعب والله أعلم.
قوله تعالى * (فارتقب يوم تأتى السمآء بدخان مبين * يغشى الناس هذا عذاب أليم * ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون * أنى لهم الذكرى وقد جآءهم رسول مبين * ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون * إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عآئدون * يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون) *