يحسن منه تعالى فعله، وذلك يدل على أن العفو عن أصحاب الكبائر جائز وهو المطلوب.
الصفة الخامسة: التوحيد المطلق وهو قوله * (لا إله إلا هو) * والمعنى أنه وصف نفسه بصفات الرحمة والفضل، فلو كان معه إله آخر يشاركه ويساويه في صفة الرحمة والفضل لما كانت الحاجة إلى عبوديته شديدة، أما إذا كان واحدا وليس له شريك ولا شبيه كانت الحاجة إلى الإقرار بعبوديته شديدة، فكان الترغيب والترهيب الكاملان يحصلان بسبب هذا التوحيد.
الصفة السادسة: قوله * (إليه المصير) * وهذه الصفة أيضا مما يقوى الرغبة في الإقرار بعبوديته، لأنه بتقدير أن يكون موصوفا بصفات الفضل والكرم وكان واحدا لا شريك له، إلا أن القول بالحشر والنشر إن كان باطلا لم يكن الخوف الشديد حاصلا من عصيانه، أما لما كان القول بالحشر والقيامة حاصلا كان الخوف أشد والحذر أكمل، فلهذا السبب ذكر الله تعالى هذه الصفات، واحتج أهل التشبيه بلفظة إلى، وقالوا إنها تفيد انتهاء الغاية، والجواب عنه مذكور في مواضع كثيرة من هذا الكتاب.
واعلم أنه تعالى لما قرر أن القرآن كتاب أنزله ليهتدي به في الدين ذكر أحوال من يجادل لغرض إبطاله وإخفاء أمره فقال: * (ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: أن الجدال نوعان جدال في تقرير الحق وجدال في تقرير الباطل، أما الجدال في تقرير الحق فهو حرفة الأنبياء عليهم السلام قال تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم * (وجادلهم بالتي هي أحسن) * (النمل: 125) وقال حكاية عن الكفار أنهم قالوا لنوح عليه السلام * (يا نوح قد جادلتنا جدالنا) * (هود: 32) وأما الجدال في تقرير الباطل فهو مذموم وهو المراد بهذه الآية حيث قال: * (ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا) * وقال: * (ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون) * (الزخرف: 58) وقال: * (وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق) * وقال صلى الله عليه وسلم: " إن جدالا في القرآن كفر " فقوله إن جدالا على لفظ التنكير يدل على التمييز بين جدال لأجل تقريره والذب عنه، قال صلى الله عليه وسلم: " إن جدالا في القرآن كفر " وقال: " لا تماروا في القرآن فإن المراء فيه كفر ".
المسألة الثانية: الجدال في آيات الله هو أن يقال مرة إنه سحر ومرة إنه شعر ومرة إنه قول الكهنة ومرة أساطير الأولين ومرة إنما يعلمه بشر، وأشباه هذا مما كانوا يقولون من الشبهات الباطلة فذكر تعالى أنه لا يفعل هذا إلا الذين كفروا وأعرضوا عن الحق.
ثم قال تعالى: * (فلا يغررك تقلبهم في البلاد) * أي لا ينبغي أن تغتر بأني أمهلهم وأتركهم سالمين في أبدانهم وأموالهم