عقلي، والشريعة الحقة أتت بما يقوي هذا القانون الكلي في تفاصيل الأعمال والأقوال والله أعلم.
المسألة الثانية: هذه الآية أصل عظيم في أصول الفقه، وذلك لأنا نقول لو كان شيء من أنواع الضرر مشروعا لكان إما أن يكون مشروعا لكونه جزاء على شيء من الجنايات أو لا لكونه جزاء والقسمان باطلان، فبطل القول بكونه مشروعا، أما بيان أنه لا يجوز أن يكون مشروها ليكون جزاء على شيء من الأعمال فلأن هذا النص يقتضي تأخير الأجزية إلى يوم القيامة، فإثباته في الدنيا يكون على خلاف هذا النص، وأما بيان أنه لا يجوز أن يكون مشروعا للجزاء لقوله تعالى: * (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) * (البقرة: 185) ولقوله تعالى: * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) * (الحج: 78) ولقوله صلى الله عليه وسلم: " لا ضرر ولا ضرار في الإسلام " عدلنا عن هذه العمومات فيما إذا كانت المضار أجزية، وفيما ورد نص في الإذن فيه كذبح الحيوانات، فوجب أن يبقى على أصل الحرمة فيما عداه، فثبت بما ذكرنا أن الأصل في المضار والآلام التحريم، فإن وجدنا نصا خاصا يدل على الشرعية قضينا به تقديما للخاص على العام، وإلا فهو باق على أصل التحريم، وهذا أصل كلي منتفع به في الشريعة والله علم.
الصفة السادسة: من صفات ذلك اليوم قوله * (لا ظلم اليوم) * والمقصود أنه لما قال: * (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت) * أردفه بما يدل على أنه لا يقع في ذلك نوع من أنواع الظلم، قال المحققون وقوع الظلم في الجزاء يقع على أربعة أقسام أحدها: أن يستحق الرجل ثوابا فيمنع منه وثانيها: أن يعطي بعض بعض حقه ولكنه لا يوصل حقه بالتمام وثالثها: أن يعذب من لا يستحق العذاب ورابعها: أن يكون الرجل مستحقا للعذاب فيعذب ويزداد على قدر حقه فقوله تعالى: * (لا ظلم اليوم) * يفيد نفي هذه الأقسام الأربعة، قال القاضي هذه الآية قوية في إبطال قول المجبرة لأن على قولهم لا ظلم غالبا وشاهدا إلا من الله، ولأنه تعالى إذا خلق فيه الكفر ثم عذبه عليه فهذا هو عين الظلم والجواب عنه معلوم.
ثم قال تعالى: * (إن الله سريع الحساب) * وذكر هذا الكلام في هذا الموضع لائق جدا، لأنه تعالى لما بين أنه لا ظلم بين أنه سريع الحساب. وذلك يدل على أنه يصل إليهم ما يستحقونه في الحال والله أعلم.
قوله تعالى * (وأنذرهم يوم الازفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع * يعلم خآئنة الاعين وما تخفى الصدور * والله يقضى بالحق والذين يدعون من دونه