يلقي الروح) * قال صاحب " الكشاف " ثلاثة أخبار لقوله * (هو) * مرتبة على قوله * (الذي يريكم) * (غافر: 13) أو أخبار مبتدأ محذوف، وهي مختلفة تعريفا وتنكيرا، قرىء * (رفيع الدرجات) * بالنصب على المدح، وأقول لا بد من تفسير هذه الصفات الثلاثة:
الصفة الأولى: قوله * (رفيع الدرجات) * واعلم أن الرفيع يحتمل أن يكون المراد منه الرافع وأن يكون المراد منه المرتفع، أما إذا حملناه على الأول ففيه وجوه الوجه الأول:: أنه تعالى يرفع درجات الأنبياء والأولياء درجة معينة، كما قال: * (وما منا إلا له مقام معلوم) * (الصافات: 164) وعين لكل واحد من العلماء درجة معينة فقال: * (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) * (المجادلة: 11) وعين لكل جسم درجة معينة، فجعل بعضها سفلية عنصرية، وبعضها فلكية كوكبية، وبعضها من جواهر العرش والكرسي، فجعل لبعضها درجة أعلى من درجة الثاني، وأيضا جعل لكل واحد مرتبة معينة في الخلق والرزق والأجل، فقال: * (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات) * (الأنعام: 165) وجعل لكل أحد من السعداء والأشقياء في الدنيا درجة معينة من موجبات السعادة وموجبات الشقاوة، وفي الآخرة آثار لظهور تلك السعادة والشقاء، فإذا حملنا الرفيع على الرفع كان معناه ما ذكرناه، وأما إذا حملناه على المرتفع فهو سبحانه أرفع الموجودات في جميع صفات الكمال والجلال، أما في الأصل الوجود فهو أرفع الموجودات، لأنه واجب الوجود لذاته وما سواه ممكن ومحتاج إليه، وأما في دوام الوجود فهو أرفع الموجودات، لأنه واجب الوجود لذاته وهو الأزلي والأبدي والسرمدي، الذي هو أول لكل ما سواه، وليس له أول وآخر لكل ما سواه، وليس له آخر، أما في العلم: فلأنه هو العالم بجميع الذوات والصفات والكليات والجزئيات، كما قال: * (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) * (الأنعام: 59) وأما في القدرة: فهو أعلى القادرين وأرفعهم، لأنه في وجوده وجميع كمالات وجوده غني عن كل ما سواه، وكل ما سواه فإنه محتاج في وجوده وفي جميع كمالات وجوده إليه، وأما في الوحدانية: فهو الواحد الذي يمتنع أن يحصل له ضد وند وشريك ونظير، وأقول: الحق سبحانه له صفتان أحدهما: استغناؤه في وجوده وفي جميع صفات وجوده عن كل ما سواه الثاني: افتقار كل ما سواه إليه في وجوده وفي صفات وجوده، فالرفيع إن فسرناه بالمرتفع، كان معناه أنه أرفع الموجودات وأعلاها في جميع صفات الجلال والإكرام، وإن فسرناه بالرافع، كان معناه أن كل درجة وفضيلة ورحمة ومنقبة حصلت لشيء سواه، فإنما حصلت بإيجاده وتكوينه وفضله ورحمته.
الصفة الثانية: قوله * (ذو العرش) * ومعناه أنه مالك العرش ومدبره وخالقه، واحتج بعض الأغمار من المشابهة بقوله * (رفيع الدرجات ذو العرش) * وحملوه على أن المراد بالدرجات، السماوات، وبقوله * (ذو العرش) * أنه موجود في العرش فوق سبع سماوات، وقد يعظموا الفرية