يراد به الكثرة، وذلك لأنه ثبت في علم أصول الفقه أن الحكم المذكور عقيب وصف يناسبه يفيد الظن بأن ذلك الحكم معلل بذلك الوصف، فقوله * (يا حسرتا) * يدل على غاية الأسف ونهاية الحزن وأنه مذكور عقيب قوله تعالى: * (على ما فرطت في جنب الله) * والتفريط في طاعة الله تعالى يناسب شدة الحسرة وهذا يقتضي حصول تلك الحسرة عند حصول هذا التفريط، وذلك يفيد العموم بهذه الطريقة. المسألة الثانية: القائلون بإثبات الأعضاء لله تعالى استدلوا على إثبات الجنب بهذه الآية، واعلم أن دلائلنا على نفي الأعضاء قد كثرت، فلا فائدة في الإعادة، ونقول بتقدير أن يكون المراد من هذا الجنب عضوا مخصوصا لله تعالى، فإنه يمتنع وقوع التفريط فيه، فثبت أنه لا بد من المصير إلى التأويل وللمفسرين فيه عبارات، قال ابن عباس يريد ضيعت من ثواب الله، وقال مقاتل ضيعت من ذكر الله، وقال مجاهد في أمر الله، وقال الحسن في طاعة الله، وقال سعيد بن جبير في حق الله، واعلم أن الإكثار من هذه العبارات لا يفيد شرح الصدور وشفاء الغليل، فنقول: الجنب سمي جنبا لأنه جانب من جوانب ذلك الشيء والشيء الذي يكون من لوازم الشيء وتوابعه يكون كأنه جند من جنوده وجانب من جوانبه فلما حصلت هذه المشابهة بين الجنب الذي هو العضو وبين ما يكون لازما للشيء وتابعا له، لا جرم حسن إطلاق لفظ الجنب على الحق والأمر والطاعة قال الشاعر: أما تتقين الله جنب وامقله * كبد حرا عليك تقطع المسألة الثالثة: قال صاحب " الكشاف " قرىء * (يا حسرتي) * على الأصل و * (يا حسرتاي) * على الجمع بين العوض والمعوض عنه. أما قوله تعالى: * (وإن كنت لمن الساخرين) * أي أنه ما كان مكتفيا بذلك التقصير بل كان من المستهزئين بالدين، قال قتادة لم يكفه أن ضيع طاعة الله حتى سخر من أهلها، ومحل * (وإن كنت) * نصب على الحالة كأنه قال: فرطت في جنب الله وأنا ساخر أي فرطت في حال سخريتي. النوع الثاني: من الكلمات التي حكاها الله تعالى عن أهل العذاب أنهم يذكرونه بعد نزول العذاب عليهم قوله * (أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين) *. النوع الثالث: قوله * (أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين) * وحاصل الكلام أن هذا المقصر أتى بثلاثة أشياء أولها: الحسرة على التفريط في الطاعة وثانيها: التعلل بفقد الهداية وثالثها: بتمني الرجعة، ثم أجاب الله تعالى عن كلامهم بأن قال بفقد الهداية باطل، لأن الهداية كانت حاصرة والأعذار زائلة، وهو المراد بقوله * (بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين) * وههنا مسائل:
المسألة الأولى: قال الزجاج بلى جواب النفي وليس في الكلام لفظ النفي إلا أنه حصل