مضوا سلفا قصد السبيل عليهم * وصرف المنايا بالرجال تقلب فعلى هذا قال الفراء والزجاج يقول: جعلناهم متقدمين ليتعظ بهم الآخرون، أي جعلناهم سلفا لكفار أمة محمد عليه السلام. وأكثر القراء قرأوا بالفتح وهو جمع سالف كما ذكرناه، وقرأ حمزة والكسائي * (سلفا) * بالضم وهو جمع سلف، قال الليث: يقال سلف بضم اللام يسلف سلوفا فهو سلف أي متقدم، وقوله * (ومثلا للآخرين) * يريد عظة لمن بقي بعدهم وآية وتبرة، قال أبو علي الفارسي المثل واحد يراد به الجمع، ومن ثم عطف على سلف، والدليل على وقوعه على أكثر من واحد قوله تعالى: * (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه) * (النحل: 75) فأدخل تحت المثل شيئين والله أعلم.
قوله تعالى * (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون * وقالوا ءأالهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون * إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبنى إسراءيل * ولو نشآء لجعلنا منكم ملائكة فى الارض يخلفون * وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم * ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين) *.
في الآية مسائل: المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى ذكر أنواعا كثيرة من كفرياتهم في هذه السورة وأجاب عنها بالوجوه الكثيرة فأولها: قوله تعالى: * (وجعلوا له من عباده جزءا) * (الزخرف: 15) وثانيها: قوله تعالى: * (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا) * (الزخرف: 19) وثالثها: قوله * (وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم) * (الزخرف: 20) ورابعها: قوله * (وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) * (الزخرف: 31) وخامسها: هذه الآية التي نحن الآن في تفسيرها، ولفظ الآية لا يدل إلا على أنه لما ضرب ابن مريم مثلا أخذ القوم يضجون ويرفعون أصواتهم، فأما أن ذلك المثل كيف كان، وفي أي شيء كان فاللفظ لا يدل عليه والمفسرون ذكروا فيه وجوها كلها محتملة فالأول: أن الكفار لما سمعوا أن النصارى يعبدون