تعالى عنهم في سورة الأنعام أنهم قالوا * (والله ربنا ما كنا مشركين) * ثم قال تعالى: * (كذلك يضل الله الكافرين) * قال القاضي: معناه أنه يضلهم عن طريق الجنة، إذ لا يجوز أن يقال يضلهم عن الحجة إذ قد هداهم في الدنيا إليها، وقال صاحب " الكشاف " * (كذلك يضل الله الكافرين) * مثل ضلال آلهتهم عنهم يضلهم عن آلهتهم، حتى أنهم لو طلبوا الآلهة أو طلبتم الآلهة لم يجد أحدهما الآخر، ثم قال: * (ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض) * أي ذلكم الإضلال بسبب ما كان لكم من الفرح والمرح بغير الحق، وهو الشرك وعبادة الأصنام * (ادخلوا أبواب جهنم) * السبعة المقسومة لكم، قال الله تعالى: * (لها سبعة أبواب، لكل باب منهم جزء مقسوم) * (الحجر: 44)، * (خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين) * والمراد منه ما قال في الآية المتقدمة في صفة هؤلاء المجادلين * (إن في صدور إلا كبر) * (غافر: 56).
قوله تعالى * (فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذى نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون * ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتى باية إلا بإذن الله فإذا جآء أمر الله قضى بالحق وخسر هنالك المبطلون) * اعلم أنه تعالى لما تكلم من أول السورة إلى هذا الموضع في تزييف طريقة المجادلين في آيات الله، أمر في هذه الآية رسوله بأي يصبر على إيذائهم وإيحاشهم بتلك المجادلات، ثم قال: * (إن وعد الله حق) * وعنى به ما وعد به الرسول من نصرته، ومن إنزال العذاب على أعدائه، ثم قال: * (فإما نرينك بعض الذي نعدهم) * يعني أولئك الكفار من أنواع العذاب، مثل القتل يوم بدر، فذلك هو المطلوب * (أو نتوفينك) * قبل إنزال العذاب عليهم * (فإلينا يرجعون) * يوم القيامة فننتقم منهم أشد الانتقام، ونظيره قوله تعالى: * (فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون * أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون) * (الزخرف: 41، 42).
ثم قال تعالى: * (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم يقصص عليك) * والمعنى أنه قال لمحمد صلى الله عليه وسلم: أنت كالرسل من قبلك، وقد ذكرنا حال بعضهم لك ولم نذكر حال الباقين، وليس فيهم أحد أعطاه الله آيات ومعجزات إلا وقد جادله قومه فيها وكذبوه فيها وجرى عليهم من الهم ما يقارب ما جرى عليك فصبروا، وكانوا أبدا يقترحون على الأنبياء إظهار لمعجزات الزائدة على قدر الحاجة على سبيل العناد والتعنت، ثم إن الله تعالى لم علم أن الصلاح