قال الوتد: أسأل من يدقني، فإن الحجر الذي ورائي ما خلاني ورائي.
واعلم أن هذا عدول عن الظاهر، وإنما جاز العدول عن الظاهر إذ قام دليل على أنه لا يمكن إجراؤه على ظاهره، وقد بينا أن قوله * (ائتيا طوعا أو كرها) * إنما حصل قبل وجودهما، وإذا كان الأمر كذلك امتنع حمل قوله * (ائتيا طوعا أو كرها) * على الأمر والتكليف، فوجب حمله على ما ذكرنا.
واعلم أن إثبات الأمر والتكليف فيهما مشروط بحصول المأمور فيهما، وهذا يدل على أنه تعالى أسكن هذه السماوات والملائكة، أو أنه تعالى أمرهم بأشياء ونهاهم عن أشياء، وليس في الآية ما يدل على أنه إنما خلق الملائكة مع السماوات، أو أنه تعالى خلقهم قبل السماوات، ثم إنه تعالى أسكنهم فيها، وأيضا ليس في الآية بيان الشرائع التي أمر الملائكة بها، وهذه الأسرار لا تليق بعقول البشر، بل هي أعلى من مصاعد أفهامهم ومرامي أوهامهم، ثم قال: * (وزينا السماء الدنيا بمصابيح) * وهي النيرات التي خلقها في السماوات، وخص كل واحد بضوء معين، وسر معين، وطبيعة معينة، لا يعرفها إلا الله، ثم قال: * (وحفظا) * يعني وحفظناها حفظا، يعني من الشياطين الذين يسترقون السمع، فأعد لكل شيطان نجما يرميه به ولا يخطئه، فمنها ما يحرق، ومنها ما يقتل ومنها ما يجعله مخبلا، وعن ابن عباس أن اليهود سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن خلق السماوات والأرض فقال: " خلق الله تعالى الأرض في يوم الأحد والاثنين، وخلق الجبال والشجر في يومين وخلق في يوم الخميس السماء، وخلق في يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة، ثم خلق آدم عليه السلام وأسكنه الجنة - ثم قالت اليهود ثم ماذا يا محمد؟ قال - ثم استوى على العرش - قالوا: ثم استراح - فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم " فنزل قوله تعالى: * (وما مسنا من لغوب) * (ق: 38).
واعلم أنه تعالى لما ذكر هذه التفاصيل، قال: * (ذلك تقدير العزيز العليم) * والعزيز إشارة إلى كمال القدرة، والعليم إشارة إلى كمال العلم، وما أحسن هذه الخاتمة، لأن تلك الأعمال لا تمكن إلا بقدرة كاملة وعلم محيط.
قوله تعالى * (فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود * إذ جآءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شآء ربنا لانزل ملائكة فإنا بمآ