تقتضي التقديم والجمع بينهما يفيد التناقض، وذلك دليل على أنه لم يمكن إجراؤه على ظاهره وقد بينا أن قوله * (ائتيا طوعا أو كرها) * إنما حصل قبل وجودهما، وإذا كان الأمر كذلك امتنع حمل قوله * (ائتيا) * على الأمر والتكليف، فوجب حمله على ما ذكرناه، بقي على لفظ الآية سؤالات.
السؤال الأول: ما الفائدة في قوله تعالى: * (فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها) *؟ الجواب: المقصود منه إظهار كمال القدرة والتقدير: ائتي شئتما ذلك أو أبيتما، كما يقول الجبار لمن تحت يده لتفعلن هذا شئت أو لم تشأ، ولتفعلنه طوعا أو كرها، وانتصابهما على الحال بمعنى طائعين أو مكرهين * (قالتا أتينا) * على الطوع لا على الكره، وقيل إنه تعالى ذكر السماء والأرض ثم ذكر الطوع والكر، فوجب أن يتصرف الطوع إلى السماء والكره إلى الأرض بتخصيص السماء بالطوع لوجوه أحدها: أن السماء في دوام حركتها على نهج واحد لا يختلف، تشبه حيوانا مطيعا لله تعالى بخلاف الأرض فإنها مختلفة الأحوال، تارة تكون في السكون وأخرى في الحركات المضطربة وثانيها: أن الموجود في السماء ليس لها إلا الطاعة، قال تعالى: * (يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون) * (النحل: 50) وأما أهل الأرض فليس الأمر في حقهم كذلك وثالثها: السماء موصوفة بكمال الحال في جميع الأمور، قالوا إنها أفضل الألوان وهي المستنيرة، وأشكالها أفضل الأشكال وهي المستديرة، ومكانها أفضل الأمكنة وهو الجو العالي، وأجرامها أفضل الأجرام وهي الكواكب المتلألئة بخلاف الأرض فإنها مكان الظلمة والكثافة واختلاف الأحوال وتغير الذوات والصفات، فلا جرم وقع التعبير عن تكون السماء بالطوع وعن تكون الأرض بالكره، وإذا كان مدار خلق الأرض على الكره كان أهلها موصوفين أبدا بما ويجب الكره والكرب والقهر والقسر.
السؤال الثاني: ما المراد من قوله * (ائتيا) * ومن قوله * (أتينا) *؟ الجواب: المراد ائتيا إلى الوجود والحصول وهو كقوله * (كن فيكون) * (البقرة: 117) وقيل المعنى ائتيا على ما ينبغي أن تأتيا عليه من الشكل والوصف، أي بأرض مدحوة قرارا ومهادا وأي بسماء مقبية سقفا لهم، ومعنى الإتيان الحصول والوقوع على وفق المراد، كما تقول أتى عمله مرضيا وجاء مقبولا، ويجوز أيضا أن يكون المعنى لتأتي كل واحدة منكم صاحبتها الإتيان الذي تقتضيه الحكمة والتدبير من كون الأرض قرارا للسماء وكون السماء سقفا للأرض.
السؤال الثالث: هلا قيل طائعين على اللفظ أو طائعات على المعنى، لأنهما سماوات وأرضون؟ الجواب: لما جعلن مخاطبات ومجيبات ووصفن بالطوع والكره قيل طائعين في موضع طائعات نحو قوله * (ساجدين) * (الأعراف: 120) ومنهم من استدل به على كون السماوات أحياء وقال الأرض في جوف السماوات أقل من الذرة الصغيرة في جوف الجبل الكبير، فلهذا السبب صارت اللفظة الدالة العقل والحياة غالبة، إلا أن هذا القول باطل، لإجماع المتكلمين على فساده.