ثبوت ذلك ودوامه، فكان حكمهما حكم إله الخلق ورب العرش، وأما * (شديد العقاب) * فمشكل لأنه في تقدير شديد عقابه فيكون نكرة فلا يصح جعله صفة للمعرفة، وهذا تقرير السؤال وأجيب عنه بوجوه الأول: أن هذه الصفة وإن كانت نكرة إلا أنها لما ذكرت مع سائر الصفات التي هي معارف حسن ذكرها كما في قوله * (وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد فعال لما يريد) * (البروج: 14 - 16) والثاني: قال الزجاج إن خفض * (شديد العقاب) * على البدل، لأن جعل النكرة بدلا من المعرفة وبالعكس أمر جائز، واعترضوا عليه بأن جعله وحده بدلا من الصفات فيه نبوة ظاهرة الثالث: أنه لا نزاع في أن قوله * (غافر الذنب وقابل التوب) * يحسن جعلهما صفة، وإنما كان كذلك لأنهما مفيدان معنى الدوام والاستمرار، فكذلك قوله * (شديد العقاب) * يفيد معنى الدوام والاستمرار، لأن صفات الله تعالى منزهة عن الحدوث والتجدد، فكونه * (شديد العقاب) * معناه كونه بحيث يشتد عقابه، وهذا المعنى حاصل أبدا، وغير موصوف بأنه حصل بعد أن لم يكن كذلك، فهذا ما قيل في هذا الباب.
البحث الثاني: هذه الآية مشعرة بترجيح جانب الرحمة والفضل، لأنه تعالى لما أراد أن يصف نفسه بأنه شديد العقاب ذكر قبله أمرين كل واحد منهما يقتضي زوال العقاب، وهو كونه غافر الذنب وقابل التوب وذكر بعده ما يدل على حصول الرحمة العظيمة، وهو قوله * (ذي الطول) *، فكونه شديد العقاب لما كان مسبوقا بتينك الصفتين وملحوقا بهذه الصفة، دل ذلك على أن جانب الرحمة والكرم أرجح. البحث الثالث: لقائل أن يقول ذكر الواو في قوله * (غافر الذنب وقابل التوب) * ولم يذكرها في قوله * (شديد العقاب) * فما الفرق؟ قلنا إنه لو لم يذكر الواو في قوله * (غافر الذنب وقابل التوب) * لاحتمل أن يقع في خاطر إنسان أنه لا معنى لكونه غافر الذنب إلا كونه قابل التوب، أما لما ذكر الواو زال هذا الاحتمال، لأن عطف الشيء على نفسه محال، أما كونه شديد العقاب فمعلوم أنه مغاير لكونه * (غافر الذنب وقابل التوب) * فاستغنى به عن ذكر الواو.
الصفة الرابعة: * (ذكر الطول) * أي ذي التفضل يقال طال علينا طولا أي تفضل علينا تفضلا، ومن كلامهم طل علي بفضلك، ومنه قوله تعالى: * (أولوا الطول منهم) * (الزمر: 86) ومضى تفسيره عند قوله * (ومن لم يستطع منكم طولا) * (النساء: 25) واعلم أنه لم يصف نفسه بكونه * (شديد العقاب) * لا بد وأن يكون المراد بكونه تعالى آتيا بالعقاب الشديد الذي لا يقبح منه إتيانه به، بل لا يجوز وصفه تعالى بكونه آتيا لفعل القبيح، وإذا ثبت هذا فنقول: ذكر بعده كونه ذا الطول وهو كونه ذا الفضل، فيجب أن يكون معناه كونه ذا الفضل بسبب أن يترك العقاب الذي له أن يفعله لأنه ذكر كونه ذا الطول ولم يبين أنه ذو الطول فيماذا فوجب صرفه إلى كونه ذا الطول في الأمر الذي سبق ذكره، وهو فعل العقاب الحسن دفعا للإجمال، وهذا يدل على أنه تعالى قد يترك العقاب الذي