عن عاصم * (فأطلع) * بفتح العين والباقون بالرفع، قال المبرد: من رفع فقد عطفه على قوله * (أبلغ) * والتقدير لعلي أبلغ الأسباب ثم أطلع إلا أن حرف ثم أشد تراخيا من الفاء، ومن نصب جعله جوابا، والمعنى لعلي أبلغ الأسباب فمتى بلغتها أطلع والمعنى مختلف، لأن الأول: لعلي أطلع والثاني: لعلي أبلغ وأنا ضامر أني متى بلغت فلا بد وأن أطلع.
واعلم أنه تعالى لما حكى عن فرعون هذه القصة قال بعدها * (وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ عاصم وحمزة والكسائي * (وصد) * بضم الصاد، قال أبو عبيدة: وبه يقرأ، لأن ما قبله فعل مبني للمفعول به فجعل ما عطف عليه مثله، والباقون * (وصد) * بفتح الصاد على أنه منع الناس عن الإيمان، قالوا ومن صده قوله * (لأقطعن أيديكم وأرجلكم) * (الأعراف: 124) ويؤيد هذه القراءة قوله * (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله) * (النساء: 167) وقوله * (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام) * (الفتح: 25).
المسألة الثانية: قوله تعالى: * (زين) * لا بد له من المزين، فقالت المعتزلة: إنه الشيطان، فقيل لهم إن كان المزين لفرعون هو الشيطان، فالمزين للشيطان إن كان شيطانا آخر لزم إثبات التسلسل في الشياطين أو الدور وهو محال، ولما بطل ذلك وجب انتهاء الأسباب والمسببات في درجات الحاجات إلى واجب الوجود، وأيضا فقوله * (زين) * يدل على أن الشيء إن لم يكن في اعتقاد الفاعل موصوفا بأنه خير وزينة وحسن فإنه لا يقدم عليه، إلا أن ذلك الاعتقاد إن كان صوابا فهو العلم، وإن كان خطأ فهو الجهل، ففاعل ذلك الجهل ليس هو ذلك الإنسان، لأن العاقل لا يقصد تحصيل الجهل لنفسه، ولأنه إنما يقصد تحصيل الجهل لنفسه إذا عرف كونه جهلا، ومتى عرف كونه جهلا امتنع بقاؤه جاهلا، فثبت أن فاعل ذلك الجهل ليس هو ذلك الإنسان، ولا يجوز أن يكون فاعله هو الشيطان، لأن البحث الأول بعينه عائد فيه، فلم يبق إلا أن يكون فاعله هو الله تعالى والله أعلم. ويقوي ما قلناه أن صاحب " الكشاف " نقل أنه قرىء * (وزين له سوء عمله) * على البناء للفاعل والفعل لله عز وجل، ويدل عليه قوله * (إلى إله موسى) *.
ثم قال تعالى: * (وما كيد فرعون إلا في تباب) * والتباب الهلاك والخسران، ونظيره قوله تعالى: * (وما زادوهم غير تتبيب) * (هود: 101) وقوله تعالى: * (تبت يدا أبي لهب) * (المسد: 1) والله أعلم.
قوله تعالى * (وقال الذى ءامن ياقوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد * ياقوم إنما هذه الحيوة