واستخدامهم، ثم ذكر تعالى سبب ذلك الاستكبار وهو أنهم قالوا * (من أشد منا قوة) * وكانوا مخصوصين بكبر الأجسام وشدة القوة، ثم إنه تعالى ذكر ما يدل على أنه لا يجوز لهم أن يغتروا بشدة قوتهم، فقال: * (أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة) * يعني أنهم وإن كانوا أقوى من غيرهم، فالله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة، فإن كانت الزيادة في القوة توجب كون الناقص في طاعة الكامل، فهذه المعاملة توجب عليهم كونهم منقادين لله تعالى، خاضعين لأوامره ونواهيه.
واحتج أصحابنا بهذه الآية على إثبات القدرة صلى الله عليه وسلم، فقالوا القوة لله تعالى ويتأكد هذا بقوله * (الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة) * يدل على إثبات القوة لله تعالى ويتأكد هذا بقوله * (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) * (الذريات: 58) فإن قيل صيغة أفعل التفضيل إنما تجري بين شيئين لأحدهما مع الآخر نسبة، لكن قدرة العبد متناهية وقدرة الله لا نهاية لها، والمتناهي لا نسبة له إلى غير المتناهي، فما معنى قوله إن الله أشد منهم قوة؟ قلنا هذا ورد على قانون قولنا الله أكبر.
ثم قال: * (وكانوا بآياتنا يجحدون) * والمعنى أنهم كانوا يعرفون أنها حق ولكنهم جحدوا كما يجحد المودع الوديعة.
واعلم أن نظم الكلام أن يقال: أما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وكانوا بآياتنا يجحدون، وقوله * (وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة) * واعتراض وقع في البين لتقرير السبب الداعي لهم إلى الاستكبار.
واعلم أنا ذكرنا أن مجامع الخصال الحميدة الإحسان إلى الخلق والتعظيم للخالق، فقوله * (استكبروا في الأرض بغير الحق) * مضاد للإحسان إلى الخلق وقوله * (وكانوا بآياتنا يجحدون) * مضاد للتعظيم للخالق، وإذا كان الأمر كذلك فهم قد بلغوا في الصفات المذمومة الموجبة للهلاك والإبطال إلى الغاية القصوى، فلهذا المعنى سلط الله العذاب عليهم فقال: * (فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا) * وفي الصرصر قولان أحدهما: أنها العاصفة التي تصرصر أن تصوت في هبوبها، وفي علة هذه التسمية وجوه قيل إن الرياح عند اشتداد هبوبها يسمع منها صوت يشبه صوت الصرصر فسميت هذه الرياح بهذا الاسم وقيل هو من صرير الباب، وقيل من الصرة والصيحة، ومنه قوله تعالى: * (فأقبلت امرأته في صرة) * (الذاريات: 29) والقول الثاني: أنها الباردة التي تحرق ببردها كما تحرق النار بحرها، وأصلها من الصر وهو البرد قال تعالى: * (كمثل ريح فيها صر) * (آل عمران: 117) وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الرياح ثمان أربع منها عذاب العاصف والصرصر والعقيم والسموم، وأربع منها رحمة الناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات " وعن ابن عباس أن الله تعالى ما أرسل على عباده من الريح إلا قدر خاتمي، والمقصود أنه مع قلته أهلك الكل وذلك يدل على كمال قدرته.
وأما قوله * (في أيام نحسات) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو * (نحسات) * بسكون الحاء والباقون بكسر