في الإعادة، إلا أن الكعبي ذكر ههنا كلمات فنذكرها ونجيب عنها، فقال إن الله تعالى مدح نفسه بقوله * (الله خالق كل شيء) * وليس من المدح أن يخلق الكفر والقبائح فلا يصح أن يحتج المخالف به، وأيضا فلم يكن في صدر هذه الأمة خلاف في أعمال العباد، بل كان الخلاف بينهم وبين المجوس والزنادقة في خلق الأمراض والسباع والهوام، فأراد الله تعالى أن يبين أنها جمع من خلقه، وأيضا لفظة * (كل) * قد لا توجب العموم لقوله تعالى: * (وأوتيت من كل شيء) * (النمل: 23) * (تدمر كل شيء) * (الأحقاف: 25) وأيضا لو كانت أعمال العباد من خلق الله لما ضافها إليهم بقوله * (كفارا حسدا من عند أنفسهم) * (البقرة: 109) ولما صح قوله * (ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله) * (آل عمران: 78) ولما صح قوله * (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا) * (ص: 27) فهذا جملة ما ذكره الكعبي في تفسيره، وقال الجبائي: * (الله خالق كل شيء) * سوى أفعال خلقه التي صح فيها الأمر والنهي واستحقوا بها الثواب والعقاب، ولو كانت أفعالهم خلقا لله تعالى ما جاز ذلك فيه كما لا يجوز مثله في ألوانهم وصورهم، وقال أبو مسلم: الخلق هو التقدير لا الإيجاد، فإذا أخبر الله عن عباده أنهم يفعلون الفعل الفلاني فقد قدر ذلك الفعل، فيصح أن يقال إنه تعالى خلقه وإن لم يكن موجدا له. واعلم أن الجواب عن هذه الوجوه قد ذكرناه بالاستقصاء في سورة الأنعام، فمن أراد الوقوف عليه فليطالع هذا الموضوع من هذا الكتاب، والله أعلم. أما قوله تعالى: * (وهو على كل شيء وكيل) * فالمعنى أن الأشياء كلها موكولة إليه فهو القائم بحفظها وتدبيرها من غير منازع ولا مشارك، وهذا أيضا يدل على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى، لأن فعل العبد لو وقع بتخليق العبد لكان ذلك الفعل غير موكول إلى الله تعالى وكيلا عليه، وذلك ينافي عموم الآية.
ثم قال تعالى: * (له مقاليد السماوات والأرض) * والمعنى أنه سبحانه مالك أمرها وحافظها وهو من باب الكناية، لأن حافظ الخزائن ومدبر أمرها هو الذي بيده مقاليدها، ومنه قولهم: فلان ألقيت مقاليد الملك إليه وهي المفاتيح، قال صاحب " الكشاف ": ولا واحد لها من لفظها، وقيل مقليد ومقاليد، وقيل مقلاد ومقاليد مثل مفتاح ومفاتيح، وقيل إقليد وأقاليد، قال صاحب " الكشاف ": والكلمة أصلها فارسية، إلا أن القوم لما عربوها صارت عربية. واعلم أن الكلام في تفسير قوله * (له مقاليد السماوات والأرض) * قريب من الكلام في قوله تعالى: * (وعنده مفاتح الغيب) * (الأنعام: 59) وقد سبق الاستقصاء هناك، قيل سأل عثمان رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير قوله * (له مقاليد السماوات والأرض) * فقال: " يا عثمان ما سألني عنها أحد قبلك، تفسيرها لا إله إلا الله والله أكبر، سبحان الله وبحمده، أستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، هو الأول والآخر والظاهر والباطن بيده الخير، يحيي ويميت هو على كل شيء قدير " هكذا نقله صاحب " الكشاف ".