ثم حكى الله تعالى عن هذا المؤمن حكاية ثالثة في أنه لا يجوز إيذاء موسى عليه السلام فقال: * (إن الله لا يهدي من هو مسرف مرتاب) * وتقرير هذا الدليل أن يقال: إن الله تعالى هدى موسى إلى الإتيان بهذه المعجزات الباهرة، ومن هداه الله إلى الإتيان بالمعجزات لا يكون مسرفا كذابا فهذا يدل على أن موسى عليه السلام ليس من الكاذبين، فكان قوله * (إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب) * إشارة إلى علو شأن موسى عليه السلام على طريق الرمز والتعريض، ويحتمل أيضا أن يكون المراد أن فرعون مسرف في عزمة على قتل موسى، كذاب في إقدامه على ادعاء الإلهية، والله لا يهدي من هذا شأنه وصفته، بل يبطله ويهدم أمره.
قوله تعالى * (يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين فى الارض فمن ينصرنا من بأس الله إن جآءنا قال فرعون مآ أريكم إلا مآ أرى ومآ أهديكم إلا سبيل الرشاد * وقال الذى ءامن ياقوم إنى أخاف عليكم مثل يوم الاحزاب * مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد * وياقوم إنى أخاف عليكم يوم التناد * يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد) *.
اعلم أن مؤمن آل فرعون لما أقام أنواع الدلائل على أنه لا يجوز الإقدام على قتل موسى، خوفهم في ذلك بعذاب الله فقال: * (يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض) * يعني قد علوتم الناس وقهرتموهم، فلا تفسدوا أمركم على أنفسكم ولا تتعرضوا لبأس الله وعذابه، فإنه لا قبل لكم به، وإنما قال: * (ينصرنا) * و * (جاءنا) * لأنه كان يظهر من نفسه أنه منهم وأن الذي ينصحهم به هو مشارك لهم فيه، ولما قال ذلك المؤمن هذا الكلام (قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى) أي لا أشير إليكم