لا يؤمنون * فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون) * فيه مسائل: المسألة الأولى: قرأ حمزة والكسائي * (ولد) * بضم الواو وإسكان اللام والباقون بفتحها * (فأنا أول العابدين) * قرأ نافع * (فأنا) * بفتحة طويلة على النون والباقون بلا تطويل.
المسألة الثانية: اعلم أن الناس ظنوا أن قوله * (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين) * لو أجريناه على ظاهره فإنه يقتضي وقوع الشك في إثبات ولد لله تعالى، وذلك محال فلا جرم افتقروا إلى تأويل الآية، وعندي أنه ليس الأمر كذلك وليس في ظاهر اللفظ ما يوجب العدول عن الظاهر، وتقريره أن قوله * (إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين) * قضية شرطية والقضية الشرطية مركبة من قضيتين خبريتين أدخل على إحداهما حرف الشرط وعلى الأخرى حرف الجزاء فحصل بمجموعها قضية واحدة، ومثاله هذه الآية فإن قوله * (إن كان للرحمن ولد فأنا أول العبادين) * قضية مركبة من قضيتين: إحداهما: قوله * (إن كان للرحمن ولد) *، والثانية: قوله * (فأنا أول العابدون) * ثم أدخل حرف الشرط وهو لفظة إن على لقضية الأولى وحرف الجزاء وهو الفاء على القضية الثانية فحصل من مجموعها قضية الأولى واحدة، وهو القضية الشرطية، إذ عرفت هذا فنقول القضية الشرطية لا تفيد إلا كون الشرط مستلزما للجزاء، وليس فيه إشعار بكون الشرط حقا أو باطلا أو بكون الجزاء حقا أو باطلا، بل نقول القضية الشرطية الحقة قد تكون مركبة من قضيتين حقيتين أو من قضيتين باطلتين أو من شرط باطل وجزاء حق أو من شرط حق وجزاء باطل، فأما القسم الرابع وهو أن تكون القضية الشرطية الحقة مركبة من شرط حق وجزاء باطل فهذا محال. ولنبين أمثال هذه الأقسام الأربعة، فإذا قلنا إن كان الإنسان حيوانا فالإنسان جسم فهذه شرطية حقة وهي مركبة من قضيتين حقيتين، إحداهما قولنا الإنسان حيوان، والثانية قولنا الإنسان جسم، وإذا قلنا إن كانت الخمسة زوجا كانت منقسمة بمتساويين فهذه شرطية حقة لكنها مركبة من قولنا لخمسة زوج، ومن قولنا لخمسة منقسمة بمتساويين وهما باطلان، وكونهم باطلين لا يمنع من أن كيون استلزام أحدهما للآخر حقا، وقد ذكرنا أن القضية الشرطية لا تفيد إلا مجرد الاستلزام وإذا قلنا إن كان الإنسان حجرا فهو جسم، فهذا جسم، فهذا أيضا حق لكنها مركبة من شرط باطل وهو قولنا الإنسان حجر، ومن جزء حق وهو قولنا الإنسان جسم، وإنما جاز هذا لأن الباطل قد يكون بحيث يلزم من فرض وقوعه وقوع حق، فإنا فرضنا كون لإنسان حجرا وجب كونه جسما فهذا شرط باطل يستلزم جزءا حقا.
وأما القسم الرابع: وهو تركيب قضية شرطية حقة من شرط حق وجزاء باطل، فهذا