المسألة الثالثة: الفقر والفقر لغتان، وهو الضعيف بسبب قلة المال وأصل الفقر في اللغة كسر الفقار، يقال: رجل فقر وفقير إذا كان مكسور الفقار، قال طرفة. إنني لست بمرهون فقر قال صاحب " الكشاف ": قرىء الفقر بالضم والفقر بفتحتين.
المسألة الرابعة: أما الكلام في حقيقة الوسوسة، فقد ذكرناه في أول الكتاب في تفسير * (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) * روي عن ابن مسعود رضي الله عنه: إن للشيطان لمة وهي الإيعاد بالشر، وللملك لمة وهي الوعد بالخير، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله ومن وجد الأول فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وقرأ هذه الآية وروى الحسن، قال بعض المهاجرين: من سره أن يعلم مكان الشيطان منه فليتأمل موضعه من المكان الذي منه يجد الرغبة في فعل المنكر.
أما قوله تعالى: * (ويأمركم بالفحشاء) * ففيه وجوه الأول: أن الفحشاء هي البخل * (ويأمركم بالفحشاء) * أي ويغريكم على البخل إغراء الآمر للمأمور والفاحش عند العرب البخيل، قال طرفة: أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي * عقيلة مال الفاحش المتشدد ويعتام منقول من عام فلان إلى اللبن إذا اشتهاه وأراد بالفاحش البخيل، قال تعالى: * (وإنه لحب الخير لشديد) * (العاديات: 8) وقد نبه الله تعالى في هذه الآية على لطيفة وهي أن الشيطان يخوفه أولا بالفقر ثم يتوصل بهذا التخويف إلى أن يأمره بالفحشاء ويغريه بالبخل، وذلك لأن البخل صفة مذمومة عند كل أحد فالشيطان لا يمكنه تحسين البخل في عينه إلا بتقديم تلك المقدمة، وهي التخويف من الفقر.
الوجه الثاني: في تفسير الفحشاء، وهو أنه يقول: لا تنفق الجيد من مالك في طاعة الله لئلا تصير فقيرا، فإذا أطاع الرجل الشيطان في ذلك زاد الشيطان، فيمنعه من الإنفاق في الكلية حتى لا يعطي لا الجيد ولا الردئ وحتى يمنع الحقوق الواجبة، فلا يؤدي الزكاة ولا يصل الرحم ولا يرد الوديعة، فإذا صار هكذا سقط وقع الذنوب عن قلبه ويصير غير مبال بارتكابها، وهناك يتسع الخرق ويصير مقداما على كل الذنوب، وذلك هو الفحشاء وتحقيقه أن لكل خلق طرفين ووسطا فالطرف الكامل هو أن يكون بحيث يبذل كل ما يملكه في سبيل الله الجيد والردئ والطرف الفاحش الناقص لا ينفق شيئا في سبيل الله لا الجيد ولا الردئ والأمر المتوسط أن يبخل بالجيد وينفق الردئ، فالشيطان إذا أراد نقله من الطرف الفاضل إلى الطرف الفاحش، لا يمكنه إلا